للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأغراض لا قِبَل لتعرفها إلا إذا كان الاستعمال سواء في أصل اللغة، ليكون الترجيح لأحد الاستعمالين لا على معنى مثل زيادة التنبيه في اسم الإشارة البعيد كما هنا، وكما قال خُفاف ابن نَدبة:

أقول له، والرمح يأطر متنَه، ... تأمّل خُفافاً، إنّني أنا ذلك

ويجعلون من أسباب الإتيان بالقريب إظهار قلة الاكتراث، كما في قول قيس بن الخطيم من شعراء الحماسة:

متى يأتِ هذا الموتُ لا يلفِ حاجة ... لنفسيَ إلا قد قضيت قضاءها

وفي هذه الفقرة وما بعدها يجاوز المؤلف قولَه في إعراب الآية ونقولَه لمقالات النحاة، من أجل بيان المعنى المطلوب، إلى ذكر شتّى التصرّفات باسم الإشارة، تعليلاً لمقاصدها وبياناً لمحاملها. فيدعوه ذلك إلى الرجوع إلى قول الله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} ليبيّن ما انتهى إليه البحث من أن الإشارة في الآية كانت باستعمال اسم الإشارة للبعيد، لإظهار رفعة شأن هذا القرآن، بجعله بعيد المنزلة. وقارن هنا مرّة أخرى بين الاستعمال القرآني وما شاع في الكلام البليغ عند العرب من تمثيل الأمر الشريف بالشيء المرفوع في عزّة المنال. فالكتاب هنا، لمّا ذكر في مقام التحدّي، ولما تضمّنه من صدق معانيه ونفع إرشاده، بعيدٌ عمن يتناوله بهُجر القول كَقولهم: "افتراء" وقولهم: "أساطير الأولين". ولا يعارض هذا التأويل ورود الإشارة إلى الكتاب باسم الإشارة للحاضر القريب كما في قوله سبحانه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} (١)، وقوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا} (٢)، لأن الإشارة


(١) الأنعام: ٩٢.
(٢) الأنعام: ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>