للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْبًا} (١). وليس ذلك بمعنى: أوقد، ولم يرد في الشعر (اشتعل) بل ورد (أوقد). وهذا تضييق واسع من أبي يعلى، فإن فعل أشعل وما تصرّف من مادته كلّه عربي فصيح، وقوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} استعارة بديعة في تشبيه انتشار البياض في سواد الشعر بالتهاب النار في الفحم. ولولا ذلك لما كان هذا اللفظ في الآية واقعاً موقعه البديع من البلاغة، كما بيّنه علماء البيان. جاء في اللسان عند ذكر قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} أن أصله من اشتعال النار. وأما إنكاره ورودَ الاشتعال بمعنى الوقود في شعر العرب فقصور واضح. قال لبيد في معلقته:

فتنازعا سبطاً يطير ظلاله ... كدخان مشعلة يشبّ ضرامها

فالمشعلة هي النار وهي اسم مفعول من أشعل النار بمعنى أوقدها. وقد أشار إلى استعمال الاشتعال في الحقيقة والمجاز ابن دريد في مقصورته حين قال:

واشتعل المُبْيَضُّ في مسودّه ... مثل اشتعال النار في جزل الغضى

وأنكر أبو يعلى استعمال لفظ الصدفة بمعنى الاتفاق، واستعمال نوايا جمعاً لنية، والبؤساء جمعاً لبائس، وجملة (لحد الآن) وهي من الصحيح المتّجه.

وكذلك تخطئته بعض الكتاب في نفي ماضي زال بلا النافية. قال أبو يعلى: الصواب أن ينفى بما النافية. فإن فتئ وانفك وبرح وزال تقرن بما نفياً، وبلا دعاءً، وبالهمزة استفهاماً، واستدل بقول ابن مالك:

فَتِئَ وانفك وهذه الأربعة ... لشبه نفي أو لنفي متبعة


(١) مريم: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>