للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحق أن الوصف بها ورد للفظ كما ورد للمعنى. فقد ذكر ابن منظور في اللسان أنها من محاسن اللفظ فقال: الكلام الجزل القوي الشديد، واللفظ الجزل خلاف الركيك.

وجعلها المرزوقي من صفات المعاني فقال في مقدمة شرحه لديوان الحماسة: فطلبوا المعاني العجيبة من خواص أماكنها وانتزعوها جزلة عذبة. وبمعنى الغلظ والقوة جاءت في الحديث: "اجمعوا لي حطباً جزلاً"، كما وصفوا بها الرأي فقالوا: أجزل الرأي أي جيِّدُه. ونعتوا بها الذات كما جاء في الحديث: "قامت امرأة منهن جزلة" أي تامة الخلْق.

واعتباراً لهذه الاستعمالات قال الإمام: إن الجزالة وصف للفظ مأخوذة من صفات الناس، إذ الجزالة في الإنسان هي جودة رأيه وكمال عقله وإتقان فهمه. فبها يكون الإنسان جزلاً أي كامل الإنسانية. وقريب من هذا ما شرطه الفقهاء في القاضي أن يكون ذا جزالة رأي.

ثم خلص من هذا إلى استعراض آراء النقاد والشعراء في ذلك، فاستشهد بكلام ابن رشيق وعبد القاهر وابن شرف وابن هاني الأندلسي وابن الأثير والعكبري. فابن رشيق أورد في العمدة ذكر الجزالة وعطفها على الفخامة. قال: منهم قوم يذهبون إلى فخامة الكلام وجزالته على مذهب العرب من غير تصنّع كقول بشار:

إذا ما غضبنا غضبة مضرية ... هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما (١)

وأوردها ثانية توءماً للرشاقة. فقال: وشبه قوم أبا نواس بالنابغة لِما اجتمع له من الجزالة مع الرشاقة (٢).


(١) ابن رشيق. العمدة: ٨٠ ط أمين بمصر.
(٢) ابن رشيق. العمدة: ٨٢ ط أمين بمصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>