للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[البيت الرابع عشر منه]

قال المتنبي يمدح علي بن إبراهيم التنوخي:

أُحادٌ أمْ سداس في أحاد ... لُيَيْلَتُنا المنوطةُ بالتنَادي

قال أبو الفتح: استطال ليلته فقال: واحدة هي أم ستّةٌ؟! واختيارُ الستة دون غيرها من العدد لأنها الغاية التي فرغ الله تعالى من جميع أحوال الدنيا، وصَغَّرَ الليلة تصغير التعليم كقول أوس:

فُويقَ جُبيل شامخِ الرأس لم تكد ... لتبلُغَهُ حتى تكلَّ وتعملا

والتنادي، يريد التنادي بالرحيل وقَودَ الخيل إلى الأعداء، ألا تراه يقول فيما بعد:

أفكّر في معاقرة المنايا ... وقَودِ الخيل مُشرِفَةِ الهوادي

قال أبو القاسم: أما استشهاد أبي الفتح بقول الله تعالى فليس من هذا الحديث في شيء؛ لأن المتنبي ذكر الليل، والشعراء يستطيلون ليالي السهر والفكر، ويُحيلُون بتضاعُف الغُمُوم والهواجس فيها عليها. وكذلك عند الأطباء أن الأمراض تشتدّ ليلًا لأن طبعه الضمَّ والقبض والخُثُورة والجُمُود، وبالنهار تَنفَشُّ البخارات عن البدن وتنحل أجزاء العلل. وليس بين الشعراء وبين الأيام تعلق في أمر ما يُسهر، بل يقولون: إن المحزونَ والمغتمَّ ينشرح صدره ويخفُّ ما به، لمُحادثة الناس ومُلاقاة الأشخاص كما قال ابن الدُّمينة:

أقضِّي نهاري بالأحاديث والمُنَى ... ويجمعُني والهمّ بالليل جامعُ

وقال الطرماح:

عَلى أنّ للعينين في الصُّبْحِ راحةً ... لرميهما طرفيهما كُلَّ مَطْرَح

وقال النابغة:

<<  <  ج: ص:  >  >>