للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد انتشرت آراء الطهطاوي ودعوتُه في مختلف الأوساط، وخاصة بعد تولِّيه رئاسة مدرسة الألسن. وكان مما يمكّن له بين صحبه وأنصاره وتابعيه سعةُ معرفته بما صدر من مؤلفات في شتى أصناف العلوم خارج وطنه، واستيعابُه للفكر الفرنسي في القرن الثامن عشر، وإنتاجهُ الغزير المتمثل فيما أقبل عليه من تعريب لجملة من المؤلفات الجغرافية والتاريخية وفي العلوم العسكرية، وعنايتهُ بترجمة كتاب مونتسكيو: تأملات في أسباب عظمة الرومان وانحطاطهم.

ولئن كان تأثّر معاصريه به تأثراً مباشراً بوقوفهم على هذا الإنتاج الغزير أو جلوسهم إليه وارتباطهم به، فإن آراءه الإصلاحية قد عَبَرت حدود مصر، وانتشرت في الآفاق بانتشار كتابيه الجليلين المتميزين: تخليص الإبريز في تلخيص باريز، ومناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية.

ولعل ممّا يفصح عن غرضه من تأليف الكتابين، ويحمل دعاة النهضة إلى الاقتباس منهما، قول جومار - أحدُ أساتذته - في تقريظه لكتابه الأول: "إن هذا التأليف يستحقُّ كثيراً من المدح. وإنه لمصنوع على وجه يكون به نفعٌ عظيم لأهالي بلد المؤلف. فإنه أهدى إليهم نبذاً صحيحة من فنون فرنسة وعوائدها وأخلاق أهلها وسياسة دولتها. ولمّا رأى أن وطنه أدنى من بلاد أوروبة في العلوم البشرية والفنون النافعة أظهر التأسفَ على ذلك، وأراد أن يوقظ بكتابيه أهل الإسلام، ويُدخل عندهم الرغبةَ في المعارف المفيدة، ويولِّد عندهم محبة تعلم التمدن الإفرنجي والترقّي في صنايع المعاش. وما تكلّم عليه من المباني السلطانية والتعليمات وغيرها أراد أن يذكّر أهالي بلده بأنه ينبغي لهم تقليد ذلك" (١).


(١) رفاعة رافع الطهطاوي. تخليص الإبريز: ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>