للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحرية، نجد كلاماً آخر يختلف عن هذا، غير مناقض له لافتراق الجهة. وهو الذي يقول فيه الشيخ ابن عاشور: "الحرية من الفطرة. وهي مما نشأ عليه البشر، وبها تصرّفوا في أول وجودهم على الأرض حتى حدثت المزاحمة، فحدث التحجير" (١). وهذا المعنى هو الذي ردّده المحدثون في هذا العصر بقولهم: حرية المرء ليست مطلقة ولكنها تقف بل تنتهي عند وجود حق للغير ليس لها أن تتجاوزه.

وتحت عنوان الحرية المنشودة، يذكر المؤلف أصناف الحرية وأنواعها، مفصلاً ومقارناً. فيتحدث عن حرية الاعتقاد قائلاً: "هي أوسع الحريات دائرة، لأن صاحب الاعتقاد مطلق التفكير فيما يعتقده ... وأمرها مختلف بين المسلم وغير المسلم. فهي عند الأول محدودة له بما جاء به الدين ممّا تتكوّن جامعة المسلمين بالاتفاق على أصوله. ولا تقبل من المسلم ردّة، لأنّ المرتدَّ خارج من الملّة ناقض للعهد. وهي عند المسلم فيما عدا ما هو معلوم من الدين بالضرورة ثابتة فله الخِيرَة من أمره.

وحرية الاعتقاد عند غير المسلم من أصحاب الملل الخاضعين إلى حكومة الإسلام دلّت نصوص القرآن والسُّنة على أنهم يُدعون إلى الدخول في الإسلام، فإن لم يقبلوا دُعوا إلى الدخول تحت حكم المسلمين، فيصيرون من أهل الذمة. وكذلك أهل الصلح والعهد يبقون على أصل الحرية في البقاء على ما هم عليه من الملل، لأنهم لم يلتزموا للإسلام بشيء من عقائده (٢).


(١) أصول النظام الاجتماعي في الإسلام: ١٦٢.
(٢) المرجع السابق: ١٧٢ - ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>