للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد التحليل لهذين المذهبين: الأشعري والمعتزلي، يقول الإمام الأكبر: وقد أشار الإسلام إلى إبطال الجبر بقوله رداً على المشركين: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (٢٠) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} (١).

وأبطل الاستقلال بخلق الأفعال بقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (٢)، وقال عزّ وجل: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (٣). ومن هنا يتبين لنا أن الحق وسط بين هاتين المقالتين المذمومتين. ويمضي الشيخ ابن عاشور قائلاً: ونحن إذا رجعنا إلى تحكيم الفطرة العقلية وجدنا من أنفسنا استطاعة بها نفعل وندع، ووجدنا الواحد منا يهُمّ بالأمر ثم يعدل عن فعله، ويهم بالأمر ويفعله، ويشرع في الأمر فيعظه الواعظ وينهاه الحكيم، فيكف عنه، ويرى أن كفّه إجابة للموعظة.

والاعتقاد الذي ينتهي إليه الإمام هو قوله: الصحيح أن لنا كسباً واستطاعة بهما نجد الميل إلى الفعل أو الانكفاف عنه، وأن وراءنا تيسيراً بالتوفيق أو بالخذلان تخفّ به الأفعال الصالحة على النفس تارة، وتثقل أخرى. فذلك هو أثر إرادة الله فينا. وهذا الفكر يروض أصحابه على الاعتداد بمقدرتهم ويعلمهم الافتقار إلى الله في طلب التوفيق والعصمة من الخذلان (٤).

أما الوصف الذي اخترناه للتطرق إلى الواقع الاجتماعي الذي يتشكَّل بأشكال مختلفة فهو المساواة. وهو أصل عظيم من


(١) الزخرف: ٢٠ - ٢١.
(٢) القصص: ٥٦.
(٣) غافر: ٣٣.
(٤) أصول النظام الاجتماعي في الإسلام: ٦٤ - ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>