للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو لذلك يحذّر الشعوب العربية الإسلامية مما تردّت فيه من الانقسام والتفرّق.

وحين يذكّر بما سبق لابن خلدون أن قرَّره من أنّ القوة في الدولة بالعصبية، تتحقّق بقيامها وتتأكّد بالحفاظ عليها، ينظر إلى المجتمعات الإسلامية، وقد اختلفت ديارها وتباينت أقطارها، وتعدّدت أجناسها وألسنتها، فيركز دعوته على مقوّمين أساسيين آخرين هما: الدين والاتحاد.

فالدين لديه هو طريق السعادة وحقيقة المدنية. والتمدن الحقيقي مكافىء له تمام المكافأة، يتيح للإنسان الارتقاء فوق مراتب البهيمية، كما يسمح ببناء نظام اجتماعي متماسك متَّحد، يسعى لخير المجموع وسعادته داخل التجمع البشري الخاص والعام. ومن أجل هذا نرى السيد جمال الدين الأفغاني يهيب بالمجتمع الإسلامي إلى التمسك بدينه والحفاظ عليه وصيانته من التغيير والتلفيق، وما يتبع ذلك من الأوهام والشعوذات. وقد استمرت دعوته هذه قاعدة مُلهِمة لمعظم الحركات الدينية الإسلامية التي ظهرت في العالم الإسلامي حتى الحرب العالمية الأولى.

والمقوّم الأساسي الثاني هو الاتحاد. فالاتحاد ضرورة للدول العربية والإسلامية. وهو الشعور بالترابط الجذري بينهم، وبالعروة الوثقى التي لا انفصام لها بَين جميع المؤمنين في أطراف العالم. وهو الطريق لرأب الصدع، وجمع الشمل، ودعم الصفّ، وتعزيز المواجهة لكل عدوان. وهكذا نجد الأفغاني يدعو - في واقع الأمر - إلى اتحادين:

اتحاد ترتفع به الأمة الإسلامية متميّزة بأخلاقها ومنهجها وسلوكها وتضامن شعوبها ودولها، تقيم على أسُسه القطعيّةِ والثابتةِ هياكلَ مجتمعاتها وصرحَ جامعتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>