للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعله". والحق أنه لا يجب على الله تعالى فعل أيّ شيء. فإن فعلَ الشيءِ يكون لغرضٍ، ولا كذلك فعله سبحانه. وفصّل المتكلمون القول في هذا وذكروا: أن الغرض إمّا أن يكون راجعاً لله تعالى وهو باطل لتنزهّه عن ذلك، وإمّا أن يكون راجعاً إلى العبد المكلف في الدنيا أو في الآخرة. فأمّا في الدنيا فهو مشقة بلا خطر، وأمّا في الآخرة فإمّا أن يكون الغرض إضرار المطيع، وهو قبيح من الجواد الكريم، فوق أنه باطل بالإجماع، وإمّا أن يكون الغرض نفعَه، وهو المطلوب. فإن إيصال ذلك النفعِ حينئذٍ واجب لئلا يلزم نقض الغرض (١).

[رد الجويني على الأشاعرة]

وأبطل إمام الحرمين ما ذهب إليه منكرو التعليل. وقال: نحن نعلم قطعاً أن الوقائع التي جرت فيها فتاوى علماء الصحابة وأقضيتُهم، تزيد على المنصوصات زيادة لا يحصرها عدّ، ولا يحويها حدّ. فإنهم كانوا قايسين في قريب من مائة سنة، والوقائع تترى، والنفوس إلى البحث طُلعة، وما سكتوا عن واقعة صائرين إلى أنه لا نصّ فيها، والآيات والأخبار المشتملة على الأحكام نصاً وظاهراً، بالإضافة إلى الأقضية والفتاوى كغَرفة من بحر لا تنزفه. وعلى قطعٍ نعلم أنهم ما كانوا يحكمون بكل ما يعِنّ لهم، في غير ضبط ولا ربط، وملاحظةِ قواعدَ متَّبعةٍ عندهم. وقد تواتر من شيمهم أنهم كانوا يطلبون حكم الواقعة من كتاب الله، فإن لم يُصادفوه فتَّشوا في سُنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم يجدوها اشتوَرُوا، ورجعوا إلى الرأي.


(١) ابن أبي شريف. المسامرة شرح المسايرة: ١٦٢ - ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>