للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دعوية إسلامية أسهم فيها، بمصر وخارجها، كما كان لتنقُّلاته الكثيرة، بين مصر وبيروت وباريس ولندن وتونس والجزائر وغيرها من البلاد، أثر بعيد في تصوير العالم الإسلامي على حقيقته، وإدراك مختلف أوضاعه وأدوائه. وهو بعد سبْره لأغواره واستكناه أحوال مجتمعاته يقدمه لنا في صورة مؤلمة حزينة تكاد تتشابه - إن لم نقل تتطابق - فيها عامة الأقطار الإسلامية وشعوبها:

"اختلفت الشؤون، وفسدت الملكات والظنون، وساءت أعمال الناس وضلّت عقائدهم، وخوت عباداتهم من روح الإخلاص، فوثب بعضهم على بعض بالشرِّ، وغالت أكثرَهم غوائلُ الفقر، فتضعضعت القوة، واختُرق السياج، وضاعت البَيضة، وانقلبت العزّة ذلّة، والهداية ضِلّة، وساكنتهم الحاجة، وألِفَتهم الضرورة، ولا يزالون نائمين عما نزل بهم وبالناس. فهلا نبّهَكم ذلك إلى البحث في أسباب ما كان سلفكم عليه، ثم بَحْثِ علَلِ ما صِرتم وصار الناس عليه". وسكت الإمام عبده مطرقاً جزَعاً، بعد إبراز هذا الواقع المرّ للمسلمين والبلاد الإسلامية، ثم أعاد علينا في ألم وحسرة ما تكاد ترتفع به أصوات الخاصة والعامة من حوله مجيبةً عن سؤاله: "ذلك ليس إلينا، ولا فرضه الله علينا، وإنما هو للحكَّام ينظرون فيه، ويبحثون عن وسائل تلافيه. فإن لم يفعلوا، ولن يفعلوا، فذلك لأنه آخر الزمان. وقد ورد في الأخبار ما يدلُّ على أنه كائن لا محالة، وأن الإسلام لا بد أن يرفع من الأرض، ولا تقوم القيامة إلا على لكع ابن لكع. واجتمعوا على اليأس والقنوط بآيات وأحاديث وآثار تقطَع الأمل ولا تَدَعُ في نفسٍ حركةً إلى عمل" (١).


(١) محمد عمارة. الإسلام والنظر إليه بين العلم والمدنية. كتاب الهلال ١٩٦٠: ١٦٢ - ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>