للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو عمَّ الحرام الأرض بحيث لا يوجد فيها حلال، جاز أن يستعمل من ذلك ما تدعو إليه الحاجة. ولا يقف تحليل ذلك على الضرورات؛ لأنه لو وقف عليها لأدّى إلى ضعف العباد واستيلاء أهل الكفر والعناد على بلاد الإسلام، ولا نقطع الناس عن الحرف والصنائع التي تقوم بمصالح الأنام (١).

ثم أتبع صاحب القواعد هذا التقرير بقوله: وإنما جاز تناول ذلك قبل اليأس من معرفة المستحقّين؛ لأن المصلحة العامة كالضرورة الخاصة. ولو دعت ضرورة واحد إلى غصب أموال الناس لجاز له ذلك، بل يجب عليه إذا خاف الهلاك لجوع أو حرًّ أو برد، وإذا وجب هذا لإحياء نفس واحدة فما الظن بإحياء نفوس؟! (٢).

ونستطيع في غير تردد أن نقول: إن أهم ما عالجه العز بن عبد السلام هو المصلحة والمفسدة المتولدان عن المقاصد. وللحاجة الأكيدة إلى التعرّف على دقائق هذا العلم، وجني ثماره في مجال دراسة المقاصد الشرعية أسمى العز كتابه: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ووجدنا الشيخ ابن عاشور يعتد اعتداداً كبيراً بكتاب القواعد. وقد تابعه في مراحل كتابته للمقاصد، واستمد منه جملة من الآراء والترتيبات.

فمن ذلك: عرض الشيخ ابن عاشور رأي العز بن عبد السلام في المصالح المحضة والمفاسد المحضة، إذ قال منبّهاً على ضرورة الترتيب للمقاصد: واعلم أن تقديم الأصلح فالأصلح، ودرء الأفسد فالأفسد مركوز في طبائع العباد .. ولا يقدم الصالحَ على الأصلح إلا


(١) القواعد: ٢/ ١٨٨؛ المقاصد: ٣٦٢.
(٢) القواعد: ٢/ ١٨٨؛ المقاصد: ٣٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>