للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن خلاصة هذا الكلام يتبيّن لنا أن الفطرة تمثل خط السير الأساسَ الذي تجري عليه الأحكام الشرعية، كما أن القصد من تلك الأحكام أن تكون موسومة بسيماه وعلى وفقه.

ويظهر التعانق بين الفطرة والدين القيّم من البيان العالي والتقرير السامي الذي كشف به عن المقصد الأعظم الوارد في القرآن الكريم. وذلك ما يتأتّى عن طريقه حملُ الناس على الخير والصلاح المُطلق بالأخذ بما تضمّنه التنزيل من تفصيل للمقاصد ودعوة إلى الأخذ بها. فالقرآن أنزله تعالى كتاباً لصلاح أمر الناس كافة، رحمةً لهم، لتبليغهم مراد الله منهم. والمقصد الأعلى من ذلك صلاح الأحوال الفردية والجماعية والعمرانية. قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (١). ووجب على التالي لهذا الكتاب أن يعلم المقاصد التي جاء القرآن لتبْيِينها. وقد حصرها الإمام في ثمانية أمور بلغ إليها بحسب ما انتهى إليه استقراؤه وهي:

(١) إصلاح الاعتقاد وتعليم العقد الصحيح: وهذا أعظم سبب لإصلاح الخلق.

(٢) تهذيب الأخلاق: قال تعالى مخاطباً رسوله ونبيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (٢) وما كان هذا الخلق العظيم إلا السمت الفريد الذي جاء به القرآن، وتقمّصه الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكمال تعلّقه به.

(٣) التشريع: وهو الأحكام خاصة وعامة. قال الشاطبي: لأن القرآن على اختصاره جامع، والشريعة تمت بتمامه، ولا يكون جامعاً لتمام الدين إلا والمجموع فيه أمور كلية.


(١) سورة النحل، الآية: ٨٩.
(٢) سورة القلم، الآية: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>