للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما الأصلية فهي التي لا حَظَّ فيها للمكلّف. وهي الضروريات الخمس المعتبرة في كل ملّة، التي بها القيام بمصالح عامة مطلقة. وهذه على ضربين: عينية وكفائية.

فالأولى وهي العينية واجبة على كل مكلف في نفسه. فهو مأمور بحفظ دينه اعتقاداً وعملاً. وذلك بتعلّم ما يدفع به عن نفسه الشُبه التي تُورد عليه، وبحفظ نفسه قياماً بضروريات حياته. وذلك بأن يُجَنّبها ما يُرديها من أسباب الهلاك كالانتحار بأي صورة من الصور، وبحفظ عقله صوناً لمورد الخطاب من ربّه، بتوقّي الأسباب الموجبة لذهابه أو غيابه، وبحفظ نسله حرصاً على بقاء عوضه وخَلَفِه في عمارة هذه الدار، وذلك بعدم وضعه في مضيعة اختلاط الأنساب. ويتوقّى ذلك بصون شهوته بألّا يضعها إلا فيما أذن الله به، وبحفظ ماله استعانة على القيام بتلك الأوجه الأربعة، وذلك بألا يتلفه فيما لا يعود عليه بالنفع إطلاقاً.

وقد نبَّه الشاطبي إلى أن هذه المقاصد الأصلية مسلوب منها حظ المرء لكونه محكوماً عليه في نفسه، كان صار فيها له حظ، فمن جهة ثانية تابعة لهذا المقصد الأصلي (١).

والثانية وهي الكفائية تعني القيام بالمصالح العامة لجميع الخلق. فبها استقامة نظام الأمة وحماية الضروريات. فالمكلف من هذه الجهة مأمور بما لا يعود عليه من جهته تخصيص؛ لأنه لم يؤمر إذ ذاك بخاصة نفسه فقط، بل بإقامة الوجود. ومما يدلّ على كون المقصد الأصلي الكفائي معرىً من الحظ شرعاً، الأمر لمن يقوم به بعدم استجلاب الحظوظ لنفسه كِفاء ما قام به من ذلك. ويفصَّلُ


(١) الموافقات: (٣) ٢/ ١٧٦ - ١٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>