للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واجتهد عمر بن الخطاب، لحوادث في الطلاق جدّت، بإيقاعِ الطلاق بلفظ واحد ثلاثاً، كما أراد مُوقعُها قائلاً: أرى الناس استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم.

وأمام الحالين اللذين وصفناهما، مما كان من عمل الناس في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحياة أبي بكر وجزء من خلافة عمر، انقسم الفقهاء في حكم الصورة الثانية. وهي التي أراد بها صاحبها التطليق ثلاثاً بلفظ واحد. فذهب الجمهور إلى إيقاعها ثلاثاً عملاً باجتهاد عمر وقضائه بذلك، وللإجماع السكوتي الذي حصل في زمنه.

وقضاء عمر لا يَلزم العمل به. وذهب عدد من الأئمة الفقهاء إلى أن طلاق الثلاث بكلمة واحدة لا يقع إلا طلقة واحدة. وهذا هو الأرجح من جهة النظر والأثر، واستدلوا على هذا بأدلة أخرى:

أولاً: إن العمل بمنطوق الآية التي رُتّبت الطلقة الثالثة فيها على حصول تطليقتين أخريين مثلها.

وانبرى الشيخ ابن عاشور إلى مذاهب الأئمة في صدر الإسلام أمثال الشافعي والباقلاني والغزالي والإمام الرازي، الذين جعلوا تعديل عمر للحكم مذهباً خاصاً به. وعندنا مذهب الصحابي لا ينهض حجة، كما أن الإجماع السكوتي الذي حصل لا يزيده قوة ولا يكسبه حجّية. وروى الشيخ ابن عاشور عن عدد من الصحابة ومن الفقهاء من مالكية وحنابلة وظاهرية أن الطلاق لا يقع في هذه الحالة إلا واحدة.

وثانياً: إن القصد الإلهي من تعدّد الطلاق التوسعة على الناس، وتَرك اعتبار ذلك عند الجمهور يَرجع - كما قال الإمام نقلاً عن ابن رشد الحفيد - إلى تغليبهم حكم التغليظ في الطلاق سداً للذريعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>