للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن المناسب أن نذكّر هنا بأن النظر الفسيح وكشف المغطّى ليسا سوى ملاحظات وتقييدات على شروح صحيح البخاري وشروح موطأ الإمام مالك التي وقف عليها الشيخ ابن عاشور عند تدريسهما بجامع الزيتونة. فهي إفادات اقتضاها النظر، ودعت إلى إبرازها مهمّة التدريس. وإنا لنجده في عمله هذا يعني في أول ما يعني به بالأحكام المستنبطة من أحاديث ذينك المصدرين يحرّرها، ويذكر أدلّتها، ويتولّى نقدها وتصحيحها من أجل الاطمئنان إليها، والتوصل من وراء ذلك إلى إدراك مقاصد الأحكام الشرعية إدراكاً تاماً. وذلك على حسب ما وقع التنبيه إليه في مستهلّ حديثنا عن الخطاب الشرعي.

صدّر الشيخ تعليقه على هذا الحديث بذكر حكم الوصية الجائزة. وهو إجماع الفقهاء على رد ما زاد على الثلث. ولكنه أضاف إلى هذا مقولة ابن عباس التي أوردها البخاري. وهي: لو غضَّ الناسَ إلى الربع (١). ولعلّ ممّا حمل ابن عباس على استكثار الثلث جَعلُه أقصى ما يتصرّف فيه ذو المال بالوصية، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "والثلث كثير". وردَّ الشيخ ابن عاشور هذا الرأي، وإن نُسب إلى ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، واعتبر استدلاله به مشكلاً لانفراد حديث سعد بتقدير الثلث غايةً قصوى. وعدم ورود أثر آخر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدل على تعميم التشريع في هذا الباب، ولإعلان حديث الباب ردّ ما زاد عن الثلث. ثم إن سبيل ورود هذا الحديث هو مقام الاستشارة في قضية عين، يدل على ذلك حطّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الوصيّة بعد الحوار الذي كان بينه وبين سعد.

والحكمة من هذا التشريع - كما يظهر من النصّ نفسه -


(١) ابن حجر. الفتح: ٥/ ٣٦٩، ح ٢٧٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>