للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيجب التوقّف. ودعا في مثل هذه الحالة إلى الرجوع إلى القواعد الشرعية. فالأصل في البيوع الانضباط وطرح الغرر. وروي عن ابن عمر، الذي كان يرى العمل بخيار المجلس، أنه كان إذا رغب في انعقاد بيع شيء ابتاعه انصرف عن المجلس. وقد حمل سلوكه هذا غيرَه من بعده على إطالة البقاء في المجلس إذا كان يرغب في بقاء حق الرد.

ومهما يكن من رأي فإن مثل هذا التصرّف كان في نظر ابن عاشور مثاراً لعدم الانضباط وحصول الغرر، في حين أن الأصل في العقود اللزوم؛ لأن دلالة العقود القولية والفعلية تتطلّب تحصيل آثارها في المِلْك وغيره.

وتغليباً لمذهب المالكية يقول صاحب الكشف: إن الأظهر في هذا الحديث إرادة التفرّق بالأجساد. وهو التفرّق المعتاد الذي يحصل بين المتبايعين بعد إتمام إجراءات البيع من حصول التراضي ودفع الثمن وقبض السلعة. وهكذا يكون إجراء قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لم يتفرقا" على الغالب. ويحصل المقصود الأساس من البيع وهو البتُّ والتحقق، أو يكون القصد من هذا التمهيدَ إلى ما بعد انبرام العقد وحصول نتائجه وهو ما استثناه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "إلا بيع الخيار".

* * *

وفي ختام هذا الفصل يتأكّد التنبيه إلى أن هناك فرقاً بين كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية وكُتب: التحرير والتنوير، والنظر الفسيح، وكشف المغطى. فالأول يتميز بقيامه على التعريف بالمقاصد وأنواعها، وتطوّرات النظر فيها، ودور الأئمة الرواد في الإشارة إليها، وبيان الطرق التي تُوَصّل إليها. فقد بحث الشيخ ابن عاشور الخطاب الشرعي وما يتصل به من مباحث، وأمعن النظر بصفة خاصة

<<  <  ج: ص:  >  >>