للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرائنُ القولية والحالية مما يشهد لذلك المقام بكونه تشريعياً أو غير تشريعي. وعلى الدارس أن يكون ذا اعتناء بالمعاني المبثوثة في الخطاب. فذلك هو المقصود الأعظم، بناء على أن العرب إنما كانت عنايتها بالمعاني، وإنما أصلحت الألفاظ من أجلها. وفهمُ الخطاب على الوجه الدقيق الكامل هو المقصود والمراد، وعليه ينبني الخطاب ابتداء. وكثيراً ما يغفل هذا النظر بالنسبة للكتاب والسُّنة فتلتمس غرائبه ومعانيه على غير الوجه الذي ينبغي، فتَستَبهِمُ على الملتمس وتستعجمُ على من لم يفهم مقاصد العرب، فيكون عمله في غير مَعمل، ومشيه على غير طريق. والله الواقي برحمته (١).

والطريق العلمي العملي الناجع لمعرفة مقاصد الشريعة وضَبطها عند الشيخ ابن عاشور هو الاستدلال والاستقراء وإعمال النظر الشرعي لكون الشرع عندنا مفيد للعقل في توجّهاته. قال الشاطبي في بداية مقدمته العاشرة: إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية، فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكون متبوعاً ويتأخر العقل فيكون تابعاً. فلا يُسرَّح العقل في مجال النظر إلا بقدر ما يُسَرِّحُه النقل (٢).

وللعقول قوى تستن دون مدى ... إن تعدها ظهرت بينها اضطرابات

وإنا لنجزم بأن الشيخ ابن عاشور قد اعتمد هذه الأدلة كلها وبخاصة ما وقع التعريف به منها أولاً. وذلك في أكثر كتبه ومؤلفاته العلمية. وإذا كان كتابه مقاصد الشريعة الاسلامية قد وضع أساساً للتعرف على مقاصد الشريعة فإن الإمام، بحكم ما أخذ به نفسه من تقريرات وتتميمات وتقسيمات وتفاصيل وضوابط وغيرها، كان دائماً


(١) الشاطبي. الموافقات: (٣) ٢/ ٨٧، ٨٨.
(٢) الموافقات: (٣) ١/ ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>