للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومناسبات كان بها تمامُ تكوينه وتحديدُ اتجاهه، كما كان لها أبعد الأثر في اضطلاعه بدوره الإصلاحي العظيم الذي وهب له نفسه، وفاق به نظراءه في بلاد المشرق. يشهد لذلك (ج. س. فان كريكن) في مقدمته التي صدّر بها الطبعة العربية لكتابه حين يقول: "وكان خير الدين الأول من بين العديد من المسلمين في القرن التاسع عشر الذي حاول جاهداً تحليل أسباب انحطاط الأمة، ولم يكن له من هدف في صنع مؤلَّفه أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك إلا تقديم العلاج لما انتابها من صنوف الضَّعف والوهَن" (١).

وترجع تلك الفرص والمناسبات أولاً إلى إقامته بالآستانة قبل انتقاله إلى تونس، وثانياً إلى اتصالاته بالشيخ محمود قابادو، وبالضباط الأوروبيين الذين كانوا يعملون بالمدرسة الحربية بباردو، وثالثاً إلى تأثّره بالحياة في باريس التي أقام بها سنوات عدة.

ففي إستنبول عاش أبو محمد ظروفاً تاريخية، اجتماعية وسياسية، كانت تدفع بالسلطان محمود، ومِن بعده بولديه السلطان عبد المجيد والسلطان عبد العزيز، إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات للقضاء على الاضطرابات الحاصلة في السلطنة، وعلى الولاة المنحرفين ولاة الممالك البعيدة الذين شقوا عصا الطاعة، وامتنعوا من الانقياد لأوامر الدولة، وأطلقوا أعنّة الأغراض والشهوات، وتصرفوا بمقتضى أهوائهم بدون قيد شرعي أو سياسي مما يسّر للأجانب التدخل في أحوال المملكة وإفساد سياستها بما يناسب أغراضهم (٢).

وأُعلنت التنظيمات الخيرية، فعُوّضت عساكرُ الانكشارية بالعسكر النظامي، وقطع دابر أمراء الإيالات "الدرابي"، فانقطعت


(١) خير الدين والبلاد التونسية: ١٨٥٠ - ١٨٨١، تعريب البشير بن سلامة: ٧١١.
(٢) خير الدين. أقوم المسالك: (٢) ١/ ١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>