للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحقيقة السبب أن الشارع جعل وجوده علامة على وجود مسببه وهو الحكم، وجعل تخلفه وانتفاءه علامة على تخلف وانتفاء ذلك الحكم، أي: إن الشارع ربط وجود المسبب بوجود السبب، وعدمه بعدمه، ويلزم من وجود السبب وجود المسبب، ومن عدم السبب عدم المسبب (١).

مثاله: جعل الزنا سببًا لوجوب الحد، لأن الزنا لا يوجب الحد بذاته، وإنما بجعل الشارع له، وزوال الشمس سبب في وجوب الظهر، وغروب الشمس سبب في وجوب المغرب، وطلوع الفجر سبب في وجوب الصبح.

ويعرف السبب بإضافة الحكم إليه كحد الزنا، فالحد حكم شرعي أضيف إلى الزنا، فعرفنا أن الزنا هو السبب، مثل صلاة المغرب، فالصلاة حكم شرعي أضيف إلى المغرب، فعرفنا أن الغروب هو السبب (٢).

ويبدو من التعريف السابق أن السبب لا يكون سببًا إلا بجعل الشارع له سببًا، لأنه سبب لحكم تكليفي، والتكليف من اللَّه تعالى الذي يكلف المرء بالحكم، ويضع السبب الذي يرتبط به الحكم، وهذه الأسباب ليست مؤثرة بذاتها في وجود الأحكام، بل هي علامة وأمارة لظهورها ووجودها ومعرفة لها عند جمهور العلماء، فالسبب وسيلة وصلة، كالحبل في إخراج الماء من البئر (٣)، ولذا عرف الإمام الغزالي السبب


(١) التلويح على التوضيح: ٣ ص ١٠٢، إرشاد الفحول: ص ٦، المدخل إلى مذهب أحمد: ص ٦٧، مصادر التشريع الإسلامي، صالح: ٥٥١، مباحث الحكم: ص ١٣٥.
(٢) هذا هو السبب الظاهر عند المتأخرين، ويرى المتقدمون أن السبب للعبادات مثلًا ليس الوقت وغيره وإنما نعم اللَّه الكثيرة علينا هي سبب العبادة.
(٣) قال بعض العلماء وهم المعتزلة: إن السبب مؤثر في الأحكام بذاته، بواسطة قوة =

<<  <  ج: ص:  >  >>