للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنهم قالوا: إن هذا الحسن والقبح العقليين لا يقتضي طلب الحسن أو ترك القبيح في الدنيا، ولا يقتضي الثواب أو العقاب في الآخرة، لأن الثواب والعقاب على الأفعال من وضع الشارع، ومتوقف على الشرع والرسل (١).

وينتج عن هذا المذهب ما يلي:

١ - إن أهل الفترة ومن لم تبلغه الدعوة لا يطالب بفعل الحسن ولا يطالب بترك القبيح، ولا ثواب لفعل الحسن، ولا عقاب على تركه، كما لا ذم على فعل القبيح، ولا ثواب على تركه، فالثواب والعقاب لا يكون بمجرد العقل، لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)} [الإسراء: ١٥]، ولذلك اشترط الحنفية في تعلق التكليف أن تبلغ الدعوة المكلف، وأن إدراك الحسن والقبح للأفعال لا يقدر عليه كل الأفراد، ولا يعقل أن يعاقب إنسان على ترك فعل لم يدرك حسنه، ولم يرشده إليه داع موثوق (٢).

وهذا مما يتفق فيه الماتريدية مع الأشاعرة، وأن الثواب والعقاب والمدح والذم أمور شرعية، وتتوقف على البعثة وبلوغ الدعوة.

واستثنى الماتريدية أمرًا واحدًا وهو وجوب الإيمان والاعتقاد بوحدانية اللَّه تعالى، وأن أهل الفترة إذا لم يعتقدوا ذلك بموجب عقولهم فإنهم يعذبون ويحاسبون على شركهم وكفرهم، لأن الإيمان حسن لنفسه حسنًا لا يقبل السقوط بحال من الأحوال، وهذا رأي أكثر الحنفية بوجوب الإيمان وتحريم الكفر على كل عاقل، سواء بلغته


(١) وهو رأي ابن تيمية القائل: "الحسن القبح ثابتان، الإيجاب والتحريم بالخطاب، التعذيب متوقف على الإرسال"، (انظر: شرح الكوكب المنير: ١ ص ٣٠٢).
(٢) فواتح الرحموت: ١ ص ٢٥، تيسير التحرير: ٢ ص ١٦٢، ١٦٥، أصول الفقه، أبو زهرة: ص ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>