للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما المستحيل لغيره، وهو ما يتصور العقل وجوده، ولكن لم تجر العادة بوقوعه، كالمشي من المريض المقعد، والطيران من الإنسان بدون أداة، والمشي على الماء، وهكذا، فلا يصح التكليف بالمستحيل لغيره عند الجمهور أيضًا، وهو قول الماتريدية ومعهم أبو حامد الإسفراييني والغزالي وابن دقيق العيد من الشافعية.

والدليل على عدم صحة التكليف بالمستحيل قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]، وقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: ٧]، ولأن التكليف بالمستحيل الذي لا سبيل إلى فعله عبث، والمشرع الحكيم منزه عن العبث (١).

وذهب جمهور الأشاعرة إلى جواز التكليف بالمستحيل لذاته والمستحيل لغيره (٢)، لوقوعه في الشرع في تكليف العاصي بالإيمان مع استحالة إيمانه لعلم اللَّه تعالى بعدم إيمانه، وتكليف أبي جهل بالإيمان وتصديق الرسول، ومن جملة ما جاء به الرسول أن أبا جهل لا يُصدِّقه، واحتجوا بسؤال رفع التكليف في قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: ٢٨٦]، على جواز التكليف بالمستحيل لغيره، لأن سؤال رفعه يدل على جواز وقوعه، ولأن التكليف بالمستحيل يفيد في اختبار المكلفين بالأخذ في الأسباب والمقدمات التي كلفوا بها لاكتساب الأجر والثواب، وإن لم يترتب عليها حكم ولا ثمرة (٣).


= ص ١٩٠، الوسيط في أصول الفقه: ص ١٤١، أصول الفقه، الخضري: ص ٨٣، الموافقات: ٢ ص ٧٦، شرح الكوكب المنير: ١ ص ٤٨٤، ٤٨٥، شرح تنقيح الفصول: ص ١٤٣.
(١) المراجع السابقة.
(٢) انظر الإرشاد للجويني ص: ٢٢٦.
(٣) المراجع السابقة، حاشية العطار: ١ ص ٢٦٩، الإحكام، الآمدي: ١ ص ١٢٤، منهاج الوصول: ص ١٥، وانظر صفحة ٢٣٢ هامش ٤ من هذا الكتاب، شرح =

<<  <  ج: ص:  >  >>