للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكل نص يدل ظاهره على التكليف بأحد هذه الأمور فلا يقصد منه ظاهره، ويكون التكليف فيه واردًا على سببه أو نتيجته وثمرته (١)، مثل قوله تعالى: {وَلَا تَمُوتُنَّ إلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)} [آل عمران: ١٠٢]، فالظاهر أن الآية تنهى الإنسان عن الموت إلا وهو مسلم، والموت ليس بيد الإنسان، فتصرف الآية عن ظاهرها، ويكون التكليف في الآية حقيقة هو الأمر بالدخول في الإسلام، واتخاذ الأسباب والطرق التي تُثبت الإيمان، وتقوي العقيدة، ليبقى الإنسان مسلمًا حتى الموت.

ومثل قوله تعالى {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: ٢٣]، فالآية تنهى عن الحزن عند المصيبة، وتنهى عن الفرح للرزق، والحزن والفرح أمران نفسيان جبليان ذاتيان لا يقدر عليهما المكلف، فيكون التكليف بالتخفيف من شدة الحزن، وعدم البطر والزهو بالرزق والنعمة، ومثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تغضب" (٢)، فالظاهر التكليف بالكف عن الغضب، وهو أمر طبيعي عند وجود سببه، والحقيقة أن التكليف بالامتناع عن الدخول في أسباب الغضب، وعما يعقب الغضب من الانتقام والخروج عن الحالة الطبيعية للإنسان العادي (٣)، ومثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم هذا قَسْمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" (٤)، وهو ميل القلب والمحبة لبعض نسائه أكثر


= ص ١٤٦.
(١) يقول الشاطبي: "إذا ظهر من الشارع في بادئ الرأي القصد إلى التكليف بما لا يدخل تحت قدرة المكلف فذلك راجع في التحقيق إلى سوابقه أو لواحقه أو قرائنه". (الموافقات: ٢ ص ٧٦).
(٢) رواه البخاري والترمذي وأحمد والحاكم عن أبي هريرة.
(٣) انظر تفصيل ذلك في الموافقات: ٢ ص ٧٩، ٩٤، ٩٦، أصول الفقه، شعبان: ص ٢٦٣، أصول الفقه، خلاف: ص ١٥٠، الوسيط في أصول الفقه: ص ١٤٦.
(٤) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه.

<<  <  ج: ص:  >  >>