للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرعاية والعناية، والوجه هو ذات اللَّه تعالى، واستوى على العرش أي: استولى على وجه التمكن، وهكذا.

ومنشأ الخلاف: هو اختلافهم في قوله تعالى في المتشابه: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: ٧] فالسلفُ جعلوا الوقف في الآية عند لفظ الجلالة: "إلا اللَّه" فلا يعلم تأويل المتشابه إلا اللَّه، ثم الراسخون في العلم يؤمنون به، ويفوضون علمه له، ولا يبحثون في تأويله، والخلف رأوا الوقف بعد قوله: {إلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} فالراسخون في العلم يعلمون تأويله بإرادة معنى يحتمله اللفظ، ويتفق مع تنزيه اللَّه تعالى عن مشابهة خلقه، وهذه الطريقة يسلكها المعلم والواعظ لتقريب المعاني للأذهان (١).

ولا يترتب على هذا الاختلاف أثر عملي، لأنه غير موجود في الأحكام الشرعية، ولا صلة له بعلم أصول الفقه، وإنما تسرب له من علم الكلام، وإنما ذكره علماء الأصول تتميمًا لتقسيم المبْهم فيما يدرك معناه ويحتمل التأويل وفيما لا يدرك معناه ولا يحتمل التأويل لخفائه في ذاته (٢).

ثانيًا: طريقة الجمهور في تقسيم المبهم:

اختلف المتكلمون من علماء الأصول في المبهم، فاعتبره بعضهم شيئًا


(١) المراجع السابقة.
(٢) يرى الشيخ عبد الوهاب خلاف -رحمه اللَّه تعالى- عدم وجود المتشابه في القرآن وأن ما سبق بيانه هو المشْتَبه، أي: المحتمل الذي يجري فيه التأويل والاختلاف، وأنه مقابل المحْكم، وأن المشتبه لا يدل بنفسه على المراد منه، ولكن أحاطه الشارع بقرائن لبيانه؛ لأن اللَّه تعالى أنزل القرآن للتدبر والذكر، فلا يمكن أن يكون فيه ما لا سبيل إلى فهمه مطلقًا، فالأحرف في أوائل السور للدلالة على الأعجاز في القرآن المكون من حروف العرب، ويعجزون عن الإتيان بمثله، وبقية الآيات مجالها البحث والاجتهاد لإزالة الاحتمال وتعيين المراد، بينما نبه الأستاذ الدكتور حمد الكبيسي إلى وجوب التفريق بين المتشابه والمشتبه الوارد في الحديث: "وبينهما أمور مشتبهات" فالمشتبه ينكشف معناه بالتتبع، والمتشابه لا يعرفه إلا اللَّه تعالى في قول، أو يعرفه اللَّه تعالى والراسخون في العلم في قول آخر، وفي الموضوع كلام كثير للعلماء. انظر: علم أصول الفقه ص ١٧٦ - ١٧٧، أصول الأحكام ص ٢٥٠، تفسير النصوص (١/ ٣٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>