للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثل نسخ العدّة للمتوفى عنها زوجها من الحول الكامل إلى أربعة أشهر وعشر، ونسخ الحكم بوجوب مصابرة العشرين من المسلمين لمائتين من الكفار، والمائة لألف في الآية السابقة {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (٦٥)} [الأنفال: ٦٥]، إلى مصابرة المائة بمائتين، والألف من المسلمين لألفين من الكفار {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦)} [الأنفال: ٦٦]، فأوجب مصابرة الضعف فقط، وهو أخف من الأول.

٢ - النسخ إلى المساوي: وهو نسخ الحكم إلى حكم آخر يساويه في التخفيف والتغليظ، كنسخ استقبال بيت المقدس بالكعبة.

وهذان النوعان متفق عليهما.

٣ - النسخ إلى الأثقل: وهو أن ينسخ الحكم إلى حكم آخر أثقل منه على المكلف، أو أشد منه، أو أغلظ، وهذا مختلف فيه.

فقال الجمهور بجوازه (١) كالعكس؛ لأن التكليف يرد على حسب ما يعلم اللَّه تعالى من المصالح للمكلف، وقد تكون المصلحة تارة في الأخف، وتارة في الثقل، والدليل على جوازه وقوعه فعلًا في الشرع، مثل الكف عن الكفار كان واجبًا بقوله تعالى: {وَدَعْ أَذَاهُمْ} [الأحزاب: ٤٨]، ثم نسخ بإيجاب القتال، وهو أثقل، أي: أكثر مشقة، ولكنه فيه مصلحة أعظم


(١) نسب بعض العلماء للشافعي بالمنع استنادًا إلى عبارته في "الرسالة": "إنَّ اللَّه فرض فرائض أثبتها، وأخرى نسخها رحمة وتخفيفًا لعباده" قال ابن برهان وغيره: وهذا الفهم ليس بصحيح؛ لأن عبارة الشافعي تطلق على اكثر من النسخ، وأنه لم يقصد ذلك، وإنما ذكره في الفرائض مما لم يلزم فأسقط، وقال الزركشي رحمه اللَّه تعالى: "وليس في ذلك عن الشافعي شيء نقطع به، والظاهر أنه إنما أشار به إلى وجه الحكمة في النسخ، والصحيح الجواز؛ لأن النسخ للابتلاء، وقد يكون لمصلحة، تارة في النقل إلى ما هو أخف، وتارة أشق" (البحر المحيط ٤/ ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>