للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونتج عن ذلك جمود الفقه الإسلامي، وركود الحركة الفقهية، وطغيان التقليد، والاقتصار على المتون، واختصار الكتب، وتدوين الشروح والحواشي والموسوعات المذهبية، أو المقارنة بين المذاهب، والتزام جماهير الأمة اتباع المذاهب المتعددة التي استقرت وشاعت، ثم اختفى بعضها وانقرض كمذهب الأوزاعي، والمذهب الظاهري، وسيطرت المذاهب الأربعة: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي على معظم أرجاء البلاد الإسلامية، وبقي إلى جانبهم المذهب الزيدي، والإمامي الجعفري، والإباضي.

ونتج عن هذه الحالة -مع إقفال باب الاجتهاد- البقاء على وحدة الأمة الإسلامية، والحفاظ على الثروة الفقهية الموروثة من الطور الأول، وفي ذات الوقت وقف الفقه عن مجاراة الحياة، ووقف الفقهاء والعلماء وراء الراكب، وأحس الناس بعجز العلماء، وقصور الأحكام، وخاصة مع التعصب المذهبي، والالتزام بمذهب دون غيره، ورافق ذلك الضعف السياسي، وتسلط الدول الأخرى على البلاد الإسلامية شيئًا فشيئًا، فتحلّل الناس والحكام من الأحكام الشرعية جزئيًّا، والتمسوا الحلول المستوردة من القوانين والأنظمة الأجنبية، إلى أن غابت معظم الأحكام الشرعية عن معظم البلاد الإسلامية، وتسرب الغزو الفكري، والنظريات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الغربية، حتى وصل الأمر إلى التشكيك بالإسلام، وفصل الدِّين والشرع عن الدولة والمجتمع، والهجوم على القرآن والسنة، والطعن أو الغمز أو اللمز صراحة أو ضمنًا بالفقه الإسلامي، وانتهى معظم المسلمين إلى الحضيض، مع تسرب ومضات خاطفة لظهور بعض المجتهد الذين يصرون على استمرار الاجتهاد (١).

الطور الثالث: أحسَّ العلماء الغيورون بالوضع الراهن السيِّء، وتلمسوا الحلول لإنقاذ الأمة، وأيقنوا أن فتح باب الاجتهاد هو أحد الوسائل المهمة


(١) أكد السيوطي رحمه اللَّه تعالى بقاء الاجتهاد واستمراره مع تفاوت حالته، وصنَّفَ كتابه القيم ليدل على ذلك بعنوانه "الردّ على مَنْ أخلدَ إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فَرْض" وهو مطوع عدة مرات.

<<  <  ج: ص:  >  >>