للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويشترط في المجتهد اللاحق أن يكون متمكنًا من معرفة مسائل الإجماع؛ ليكون رأيه موافقًا للإجماع، ويجتنب الاجتهاد والفتوى بخلاف ما أجمع عليه، فيكون قد خرق الإجماع، وبالتالي يكون رأيه باطلًا ومردودًا.

ولا يلزم المجتهد حفظ جميع مسائل الإجماع، ولكن يشترط أن يعلم أن المسألة التي يجتهد فيها ليس فيها إجماع، وأن فتواه ليست مخالفة للإجماع، بل موافقة لمذهب عالم، أو أنها حادثة جديدة، ولم يسبق بحثها أو الإجماع فيها (١).

ويتفرع عن ذلك أن يعرف المجتهد المسائل الخلافية التي اختلفت فيها وجهات النظر عند الاجتهاد فيها، وبيَّن الإمام الشافعي رحمه اللَّه تعالى الحكمة من ذلك، فقال:

"ولا يكون لأحد أن يقيس (يجتهد) حتى يكون عالمًا بما مضى قبله من السنن وأقاويل السلف، وإجماع الناس واختلافهم ... ، ولا يمتنع من الاستماع ممن خالفه؛ لأنه قد يتنبه بالاستماع لترك الغفلة، ويزداد به تثبيتًا فيما اعتقد من الصواب، وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده، والإنصاف من نفسه، حتى يعرف أين قال ما يقول، وترك ما يترك، ولا يكون بما قال أعنى منه بما خالفه، حتى يعرف فضل ما يصير إليه على ما يترك إن شاء الله" (٢).

وهذا يبين أن دراسة أسباب اختلاف الفقهاء والإحاطة بأدلتهم، وأسس وجهات نظرهم المتفاوتة يربي ملكة الاستنباط والنقد والتمحيص للأدلة، والفحص للمعاني، وينمي في الشخص أهلية الاجتهاد والنظر والاستنباط الصحيح (٣).


(١) المحصول (٣/ ٣٤)، جمع الجوامع والبناني عليه (٢/ ٣٨٤)، نهاية السول (٣/ ٢٤٤)، المستصفى (٢/ ٣٥١)، شرح الكوكب المنير (٤/ ٤٦٤)، مختصر الطوفي ص ١٧٤، المدخل إلى مذهب أحمد ص ١٨٢، إرشاد الفحول ص ٢٥١، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (٢/ ١٠٤٦)، أصول الأحكام ص ٣٦٦.
(٢) الرسالة فقرة ٥١٠ - ٥١١.
(٣) أصول الأحكام ص ٣٦٧، وانظر فصل "أسباب اختلاف الفقهاء" من هذا الكتاب (١/ ٧٧).=

<<  <  ج: ص:  >  >>