للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثالثاً: أن قول ابن عمر وابن مسعود يحمل على ما إذا كان بشهوة، فلا دليل فيه للشافعية على الوضوء من مجرد اللمس، لأن الرجل لا يقبل امرأته كما يقبل أمه أو ابنته، وإنما يقبلها بدافع الشهوة، وكذلك المراد من قوله: أو جسها بيده، ولهذا قال ابن تيمية: وأما وجوب الوضوء من مجرد مس المرأة لغير شهوة فهو أضعف الأقوال، ولا يعرف هذا القول عن أحد من الصحابة، ولا روى أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر المسلمين أن يتوضؤوا من ذلك، مع أن هذا الأمر غالب لا يكاد يسلم منه أحد في عموم الأحوال، فإن الرجل لا يزال يناول امرأته شيئاً، وتأخذه بيدها، وأمثال ذلك مما يكثر ابتلاء الناس به، فلو كان الوضوء من ذلك واجباً، لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر بذلك مرة بعد مرة، ويشيع ذلك، ولو فعل لنقل ذلك عنه ولو بأخبار الآحاد، فلما لم ينقل عنه أحد من المسلمين أنه أمر أحداً من المسلمين بشيء من ذلك مع عموم البلوى به، علم أن ذلك غير واجب (١).

وقال ابن تيمية أيضاً: ((اللمس العاري عن الشهوة لا يعلق به حكم من الأحكام أصلاً، وهذا كقوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} (٢)، فنهى العاكف عن مباشرة النساء مع أن العلماء يعلمون أن المعتكف لو مس امرأته بغير شهوة لم يحرم ذلك عليه، وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يدني رأسه إلى عائشة رضي الله عنها فترجله، وهو معتكف، ومعلوم أن ذلك مظنة مسه لها، ومسها له، وأيضاً فالإحرام أشد من الاعتكاف، ولو مسته المرأة لغير شهوة لم يأثم بذلك، ولم يجب عليه دم، وهذا


(١) مجموع الفتاوى (٢١/ ٢٣٦) وما بعدها.
(٢) البقرة: ١٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>