للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حيث خص إعطاء الزكاة بفقراء المسلمين، فيستحقونها بهذا الوصف لا بوصف التأليف.

ونوقش: بأن دعوى النسخ مردودة لما يلي:

١ - أن الإجماع لا يكون ناسخًا للنصوص؛ لأن الإجماع إنما يكون بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والنسخ يكون في حياته - صلى الله عليه وسلم - (١)، قال شيخ الإسلام في الجواب عن جعل الإجماع ناسخًا ما نصه: "وقد نقل عن طائفة كعيسى بن أبان (٢) وغيره من أهل الكلام والرأي من المعتزلة وأصحاب أبى حنيفة ومالك أن الإجماع ينسخ به نصوص الكتاب والسنة، وكنا نتأول كلام هؤلاء على أن مرادهم أن الإجماع يدل على نص ناسخ، فوجدنا من ذكر عنهم أنهم يجعلون الإجماع نفسه ناسخًا، فإن كانوا أرادوا ذلك فهذا قول يُجَوِّز تبديلَ المسلمين دينَهم بعد نبيهم، كما تقول النصارى من أن المسيح سَوّغ لعلمائهم أن يحرموا ما رأوا تحريمه مصلحة، ويُحِلُّوا ما رأوا تحليله مصلحة، وليس هذا دينَ المسلمين، ولا كان الصحابة يسوغون ذلك لأنفسهم، ومن اعتقد في الصحابة أنهم كانوا يستحلون ذلك فإنه يُستتاب كما يُستتاب أمثاله، ولكن يجوز أن يجتهد الحاكم والمفتي فيصيب فيكون له أجران، ويخطئ فيكون له أجر واحد، وما شرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - شرعا معلقًا بسبب إنما يكون مشروعًا عند وجود السبب، كإعطاء المؤلفة قلوبهم؛ فإنه ثابت بالكتاب والسنة، وبعض الناس ظن أن هذا نُسِخَ لما رُوِي عن عمر رضي الله عنه أنه ذكر أن الله أغنى عن التألف {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩] (٣) وهذا الظن غلط، ولكن عمر رضي الله عنه


(١) ينظر: التقرير والتحبير ٣/ ٦٩، البحر المحيط ٥/ ٢٨٥.
(٢) عيسى بن أبان بن صدقة أبو موسى، كان إماما في الفقه، وكان حسن الحفظ في الحديث، تفقه على محمد بن الحسن. من كتبه: خبر الواحد، وكتاب الجامع، وكتاب إثبات القياس، وغيرها. تُوُفِّي في ٢٢١ هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء ١/ ٤٤٠، طبقات الشيرازي (١٤٣)، أخبار القضاة ٢/ ١٧٠.
(٣) سورة الكهف (٢٩).

<<  <   >  >>