للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إن اختلاف الحنفية في تحديد الناسخ دليل على اضطراب قولهم وضعفه (١).

٤ - كما أن عدم إعطاء عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة للمؤلفة قلوبهم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس بسبب النسخ، وإنما بسبب عدم الحاجة لتأليفهم في زمنه رضي الله عنه، وذلك يرجع تقديره لأُولي الأمر في كل زمنٍ بِحَسَبِه (٢).

الدليل الثاني: زوال العلة التي من أجلها شُرعَ تأليف القلوب بالزكاة، وهي ضعف الإسلام وأهله، فقد استغنى الإسلام والمسلمون عن ذلك بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا مقتضى لصرف الزكاة للمؤلفة قلوبهم (٣).

ونوقش: بأنه لا يسلم حصر علة المشروعية بضعف الإسلام وأهله، فقد أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤلفة قلوبهم بعد فتح مكة وانتصار المسلمين، فَلِلتأليفِ على الإسلام عِلَل، منها ما ذكروا، وأَظْهَرُ من ذلك استنقاذ المؤلفة ومَن وراءهم من النار بإسلامهم إن كانوا كفارا، وثباتهم إن كانوا مسلمين، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعطي الرجلَ، وغيرُهُ أحَبُّ إليّ منه، خشيةَ أن يُكَبَّ في النار على وجهه " (٤)، وهذا يكون في حال ضعف المسلمين وقوتهم، وقد نص على توسعة العلةِ الحنفيةُ أنفسهم (٥)،


(١) ومن ذلك قول ابن عابدين في حاشيته على الدر المختار (٢/ ٣٤١) جوابًا على النسخ للحكم بالآية: وإن لم يظهر لنا أنّ الآية التي ذكرها عمر تصلح لذلك وهي قوله تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩].
(٢) ينظر: المغني ٩/ ٣١٧.
(٣) ينظر: الدر المختار ٢/ ٣٤٢، الأم ٢/ ٩٣.
(٤) تقدم تخريجه (ص ٣٩٦).
(٥) قال أبو بكر الجصاص الحنفي في أحكام القرآن ٣/ ١٨١: " {وَاَلْمُؤَلَفَةِ قُلُوبُهُمْ}: فإنهم كانوا قوما يُتَأَلَّفون على الإسلام بما يُعطون من الصدقات، وكانوا يتألفون بجهُات ثلاث: إحداها للكفار لدفع معرتهم، وكف أذيتهم عن المسلمين، والاستعانة بهم على غيرهم من المشركين، والثانية: لاستمالة قلوبهم وقلوب غيرهم من الكفار إلى الدخول في الإسلام=

<<  <   >  >>