للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد جمعت الآية المتقدمة كثيرًا من المقاصد والحكم الشرعية في فرض الزكاة وذلك في كلمتين محكمتين في قوله: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}. وفي ذلك يظهر إعجاز القرآن بدلالته على المعاني الكثيرة بألفاظ قليلة.

رابعًا: تطهير المزكي من الشح والبخل، وفي ذلك يقول الكاساني -رحمه الله- (١): "إنَّ الزكاة تطهر نفس المؤدي من أنجاس الذنوب، وتزكي أخلاقه بخلق الجود والكرم، وترك الشّح والضّنّ؛ إذ النفس مجبولة على الضّنّ بالمال، فتتعود السّماحة، وترتاض لأداء الأمانات وإيصال الحقوق إلى مستحقيها، وقد تضمن ذلك كله قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} " (٢) (٣).

فالشُّح مرض بغيض مذموم، ابتلي به الإنسان، فصار يسعى لحب التملك وحب الذات وحب البقاء والاستكثار، ونتج عن هذا الاستئثار بالمنافع، وفي ذلك يقول تعالى مبينًا هذه الحقيقة: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} (٤).

ويقول: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} (٥). ولذا فإن الشّح من أعظم أسباب التعلق بالدنيا والانصراف عن الآخرة، فهو سبب للتعاسة التي دعا بها النبي - صلى الله عليه وسلم - على عُبَّاد المال والدنيا بقوله: تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِىَ رَضِي، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ،


(١) الكاساني: هو أَبو بكر علاء الدين بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي، نسبة إلى كاسان في بلاد تركستان، لقب بملك العلماء، شرح التحفة لشيخه السمرقندي والد زوجته، واسم شرحه بدائع الصنائع، توفي في حلب سنة ٥٨٧ هـ
[ينظر: الجواهر المضية (٤/ ٢٥)، تاج التراجم، (ص ٨٤) معجم المؤلفين (٣/ ٧٥)].
(٢) سورة التوبة (١٠٣).
(٣) بدائع الصنائع وترتيب الشرائع ٢/ ٧.
(٤) سورة الإسراء (١٠٠).
(٥) سورة النساء (١٢٨).

<<  <   >  >>