للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن المنكر، الواردة في حديث أبي سعيد مرفوعا: ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)

فالجواب: أن الرخصة إنما هي في المرتبتين الأوليين ـ الإنكار باليد واللسان ـ، أما مرتبة الإنكار القلبي فلابد منها؛ وذلك لأن الكراهة القلبية للمنكر، أو المحبة القلبية للمعروف أمر باطن لا إكراه فيه، ولا أذى يترتب على المرء منه، لخفائه وعدم ظهوره، فتبقى هذه المرتبة قائمة ما دام في القلب إيمان.

- فإن قال قائل: فما الفائدة من هذه المرتبة التي سماها النبي - صلى الله عليه وسلم - أضعف الإيمان، مع أن المعروف لاينتشر إلاّ بالقول أو العمل، والمنكر لا ينحسر إلا كذلك؟

فالجواب: أن الأعمال القلبية هي أصل الأعمال البدنية الحسية وأساسها، فإذا بقي القلب منكرا للمنكر؛ بقي حيا لبقاء النور الذي يميز به بين الحق والباطل، ومتى لم يكن القلب كذلك أصبح المعروف والمنكر بالنسبة إليه سواء فلا يعرف معروفا ولاينكر منكرا، ولذا ورد في الحديث ـ كما في الصحيح من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر: أسود مربادا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه))

فبان بهذا عظم هذه المرتبة من الإنكار، ولماذا قال بعدها النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)).

كل ما تقدم ذكره من الرخص يدل أوضح الدلالة: على يسر الإسلام وسماحته، ورفقه بأهله، وانتفاء الحرج عنه كما قال تعالى: ((ما جعل عليكم في الدين من حرج)).

<<  <   >  >>