للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال عليه السلام: (من نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي ردي فهو ينزع بذنبه) (١). والمراد أن من نصر قومه على باطل أو مشكوك فقد وقع في الإثم وهلك، فحاله كالبعير الذي سقط في البئر، ويخرج ويرفع بذنبه من ورائه ولا يقدر على الخلاص (٢).

وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: (غَزَوْنَا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ من المهاجرين حتى كَثُرُوا، وكان من المهاجرين رجل لَعَّابٌ، فكَسَعَ (٣) أنصاريا، فَغَضِبَ الأنصاري غضبا شديدا حتى تَدَاعَوْا، وقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فخرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (ما بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الجاهِلِيَّةِ)، ثم قال: (ما شَأْنُهُمْ؟) فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ المهاجري الأنصاري، قال فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (دعوهما فإنها خَبِيثَةٌ)، وقال عبد اللَّه ابن أبي بن سلول: أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا، لئن رجعنا إلى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فقال عمر: ألا نقتل يا رسول اللَّه هذا الْخَبِيثَ لعبد اللَّه، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا يتحدث الناس أنه كان يَقْتُلُ أصحابه)) (٤).

فأمرهم عليه الصلاة والسلام بترك دعوى الجاهلية؛ لأنها خبيثة منتنة، ودعوى الجاهلية في الأصل الاستغاثة عند إرادة الحرب كانوا يقولون: يا آل فلان فيجتمعون


(١) أخرجه أبو داود، ٤/ ٣٣١، باب في العصبية، رقم: ٥١١٧، قال الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١١/ ١١٧: صحيح موقوفًا مرفوعًا، وأخرجه أحمد في المسند، ١/ ٣٩٣، رقم: ٣٧٢٦.
(٢) انظر: عون المعبود، ١٤/ ١٨.
(٣) قال ابن حجر رحمه اللَّه: "قوله غزونا هذه الغزوة هي غزوة المريسيع، قوله: ثاب معه بمثلثة وموحدة، أي: اجتمع، قوله: رجل لعاب، أي: بطال، وقيل: كان يلعب بالحراب كما تصنع الحبشة، وهذا الرجل هو جهجاه بن قيس الغفاري، وكان أجير عمر بن الخطاب، والأنصاري هو سنان بن وبرة حليف بني سالم الخزرجي، فكَسع بفتح الكاف والمهملتين، أي: ضربه على دبره"، فتح الباري، ٦/ ٥٤٧.
(٤) صحيح البخاري، باب ما ينهى من دعوى الجاهلية، ٣٣٣٠، ومسلم، باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما، رقم: ٢٥٨٤.

<<  <   >  >>