للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالمسلمين وجب العمل بها، وقد يتحقق بالصلح مصالح لا يمكن تحقيقها بالجهاد ويدل على هذا صلح الحديبية الذي سماه اللَّه عز وجل (فتحا)، قال تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} (١).

وبالتالي فإن دخول المسلمين في أي معاهدة مع غير المسلمين تحفظ حقوق اللاجئين مثلًا سواءً أكانوا مسلمين أو غير مسلمين، أمر مشروع سواء في حال قوة الدولة الإسلامية أو في حال ضعفها وعدم قدرتها على حمايتهم منفردة، أو فرض الحماية لهم ومنع الاعتداء عليهم لوحدها، فإن مثل هذه المعاهدات والاتفاقيات من باب التعاون على البر والمعروف والخير الذي أمر اللَّه سبحانه وتعالي به في قوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (٢).


(١) سورة الفتح، الآية [١]، قال ابن حجر رحمه اللَّه: "قال الزهري: فما فُتِحَ في الإسلام فتح قبله كان أعظم من فتح الحديبية إنما كان القتال حيث الْتَقَى الناس، ولما كانت الهدنة ووضعت الحرب وَأَمِنَ الناس كَلَّمَ بعضهم بعضًا وَالْتَقَوْا وَتَفَاوَضُوا في الحديث وَالمُنَازَعَة ولم يُكَلَّم أحد بالإسلام يَعْقِل شيئًا في تلك المدة إلا دخل فيه، ولقد دخل في تَيْنِك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر، يعني من صناديد قريش. . . وكانت الهدنة مفتاحًا لذلك ولما كانت قصة الحديبية مقدمة للفتح سميت فتحًا. . . فإن الفتح في اللغة فتح المغلق، والصلح كان مغلقًا حتى فتحه اللَّه، وكان فتحه صد المسلمين عن البيت، وكان في الصورة الظاهرة ضيمًا للمسلمين وفي الصورة الباطنة عِزًّا لهم، فإن الناس لأجل الأمن الذي وقع بينهم اختلط بعضهم ببعض مِنْ غَيْر نكير وأسمع المسلمون المشركين القرآن، وناظروهم على الإسلام جهرة آمنين وكانوا قبل ذلك لا يتكلمون عندهم بذلك إلا خفية وظهر من كان يخفي إسلامه فذل المشركون من حيث أرادوا العزة وَأُقْهِرُوا من حيث أرادوا الغلبة". فتح الباري، ٥/ ٣٤٨.
(٢) سورة المائدة، من الآية [٢].

<<  <   >  >>