للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما الأدلة على نفي الحلف في الإسلام فمنها قوله عليه الصلاة والسلام في خطبته: (أوفوا بحلف الجاهلية، فإِنَّهُ لا يَزِيدُهُ -يعني: الإِسلامَ- إِلا شِدَّة-، ولا تُحْدِثُوا حِلفا في الإِسلام) (١)، والمراد بحلف الجَاهليَّة: العُهُود التِي وقعت فِيهَا على الخير كصلة الأرحام ونصرة المظلوم (٢)، والوفاء بها مقيد بما لا يُخالِفُ الشَّرع، لقوله تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (٣).

والمراد بنفي الحلف في الإسلام هو نفيه على الوجه الذي كانوا يتحالفون عليه في الجاهلية، لكونه يتضمن النصرة على الحق والباطل، والشريعة إنما أوجبت معونة المظلوم على الظالم، وأن لا يلتفت إلى قرابة ولا غيرها، أو أن المراد نفي التوارث بالحلف دون ذوي الأرحام، أما حكم الحلف في العقل والنصرة فباق ثابت (٤).

أو يكون المراد أن الإسلام قد استغنى عن الحلف بما أوجب اللَّه تعالى على المسلمين بعضهم من نصرة وعون (٥)، فالإِسلام أَقوَى من الحلف، فمن استَمسَكَ بِالعَاصِمِ القَوِيِّ استَغنَى به عن العَاصِمِ الضَّعِيف (٦)، فالتوارث بالهجرة نسخ، وبقي المؤاخاة في الإسلام، والمحالفة على طاعة اللَّه تعالى، والتناصر في الدين، والتعاون على البر والتقوى وإقامة الحق


(١) أخرجه الترمذي، كتاب السير، باب ما جاء في الحِلفِ، رقم: ١٥٨٥، وقال: "حديث حسن صحيح"، وقال في صحيح سنن الترمذي، محمد ناصر الدين الألباني، الرياض: مكتبة المعارف، ط ١، ١٤٢٠ هـ، ٢/ ٢٠٣: "حسن".
(٢) انظر: عون المعبود، ٨/ ١٠٠.
(٣) سورة المائدة، من الآية [٢].
(٤) أحكام القرآن للجصاص، ٣/ ١٤٧، ٣/ ١٩٧، وعون المعبود، ٨/ ١٠٢.
(٥) نواسخ القرآن، عبد الرحمن بن علي، ابن الجوزي، بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٠٥ هـ، ١/ ١٢٨.
(٦) انظر: تحفة الأحوذي، ٥/ ١٧٤.

<<  <   >  >>