للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ألا يترتب على ذلك مفاسد أعظم من مفسدة تركه، شُرع للمستضعفين الأخذ به، وهذا ما قام به المستضعفون في مكة بعد هربهم مع أبي بصير -رضي اللَّه عنهم-.

إن قيام المستضعفين ببعض العمليات المسلحة ضد الأعداء لردعهم عن التمادي في العدوان والبطش والظلم أمر لا مفر منه، بل قد يجب عند تحقق المصلحة، إن المدافعة سنة من سنن اللَّه الكونية، قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز} (١)، "أي لولا القتال والجهاد لتغلب على الحق في كل أمة" (٢)، قال ابن عباس: (ولولا دفع اللَّه العدو بجنود المسلمين لغلب المشركون فقتلوا المؤمنين وخربوا البلاد والمساجد) (٣)، ولا يردع الأعداء إلا الجهاد، ولا يزول الاستضعاف إلا بالجهاد.

وقد وقعت في المرحلة المكية -كنموذج للاستضعاف الكلي- بعض الأحداث التي تدل على مشروعية الإضرار بالكفار، ومشروعية رد العدوان إما باللسان أو باليد، ولما اجتمع أشراف قريش بالحجر وكان الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يطوف بالبيت فغمزوه ثلاث مرات، ثم قال مهددًا لهم: (أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح) (٤).

ومن ذلك ما رواه علي -رضي اللَّه عنه- قال: (انطلقت أنا والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى أتينا الكعبة، فقال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (اجلس وصعد على منكبي)، فذهبت لأنهض به، فرأى منى ضعفًا


(١) سورة الحج، من الآية [٤٠].
(٢) الجامع لأحكام القرآن، ١٢/ ٧٠.
(٣) الجامع لأحكام القرآن، ٣/ ٢٦٠.
(٤) أخرجه أحمد، ٢/ ٢١٨، وابن حبان في صحيحه، ١٤/ ٥٢٦، وانظر: تغليق التعليق، ٤/ ٨٦.

<<  <   >  >>