للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فليست مرتبة النفس كمرتبة الدين، وليس تستصغر حرمة النفس في جنب حرمة الدين، فيبيح الكفر الدم، والمحافظة على الدين مبيح لتعريض النفس للقتل والإتلاف في الأمر بمجاهدة الكفار والمارقين عن الدين، ومرتبة العقل والمال ليست كمرتبة النفس، ألا ترى أن قتل النفس مبيح للقصاص، فالقتل بخلاف العقل والمال، وكذلك سائر ما بقى وإذا نظرت في مرتبة النفس تباينت المراتب فليس قطع العضو كالذبح، ولا الخدش كقطع العضو، وهذا كله محل بيانه الأصول" (١).

إن الإخلال بالدين إخلال بأول الضروريات، كما أن أركان الدين الخمسة متفاوتة في الترتيب فيما بينها، فليس الإخلال بالشهادتين كالإخلال بالصلاة، ولا الإخلال بالصلاة كالإخلال بالزكاة، ولا الإخلال بالزكاة كالإخلال برمضان وكذلك سائرها (٢).

قال ابن رجب رحمه اللَّه: "إذا اجتمع للمضطر محرمان كل منهما لا يباح بدون الضرورة، وجب تقديم أخفهما مفسدة، وأقلهما ضررا؛ لأن الزيادة لا ضرورة إليها فلا يباح" (٣)، ومن القواعد الدالة على هذا المعنى: "الضرورة متى أمكن دفعها بأيسر الأمرين لا يصار إلى أعلاهما" (٤)، وقاعدة: "اتباع خير الخيرين مطلوب واجتناب شر الشرين فيه مرغوب" (٥).

ومن الأمثلة على مراعاة مراتب الضروريات، لو أُكره المستضعف على شرب الخمر، فيجوز له شربها؛ لأن حفظ النفوس والأطراف أولى من حفظ العقول في زمن قليل؛ ولأن فوات النفوس والأطراف دائم، وزوال العقول يرتفع عن قريب بالصحو (٦).


(١) الاعتصام، ٢/ ٣٨.
(٢) المرجع السابق، ٢/ ٥٧ - ٥٨.
(٣) القواعد، ص ٢٤٧.
(٤) التقرير والتحبير، ١/ ١٣٧،
(٥) المنثور، ٣/ ٣٩٥.
(٦) قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ١/ ١٧٦.

<<  <   >  >>