للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن جرير رحمه اللَّه: "فأما ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله من أن هذه الآية منسوخة فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ولا فطرة عقل، وقد دللنا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره على أن الناسخ لا يكون إلا ما نفي حكم المنسوخ من كل وجه فأما ما كان بخلاف ذلك فغير كائن ناسخا" (١)، والسيوطي نقل في إتقانه عن العلامة ابن الحصار -رحمهما اللَّه- قوله: "إنما يرجع في النسخ إلى نقل صريح عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أو عن صحابي يقول: آية كذا نسخت كذا، قال: وقد يحكم به عند وجود التعارض المقطوع به، من علم التاريخ ليعرف المتقدم والمتأخر، قال: ولا يعتمد في النسخ قول عوام المفسرين، بل ولا اجتهاد المجتهدين من غير نقل صحيح، ولا معارضة بينة؛ لأن النسخ يتضمن رفع حكم، وإثبات حكم تقرر في عهده -صلى اللَّه عليه وسلم- والمعتمد فيه النقل والتاريخ دون الرأي والاجتهاد، قال: والناس في هذا بين طرفي نقيض، فمن قائل: لا يقبل في النسخ أخبار الآحاد العدول، ومن متساهل يكتفي فيه بقول مفسر أو مجتهد، والصواب خلاف قولهما، انتهى" (٢).

وقال في موضع آخر: "ما أُمر به لسبب ثم يزول السبب، كالأمر حين الضعف والقِلة بالصبر والصفح ثم نسخ بإيجاب القتال، وهذا في الحقيقة ليس نسخًا، بل هو من قسم المُنسأ كما قال تعالى: {أَوْ نُنْسِهَا}، فالمُنسأ هو الأمر بالقتال إلى أن يقوى المسلمون، وفي حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى، وبهذا يضعف ما لهج به كثيرون من أن الآية في ذلك منسوخة بآية السيف وليس كذلك، بل هي من المنسأ بمعنى: أن كل


(١) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ١٠/ ٣٤.
(٢) الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين السيوطي، تحقيق: سعيد المندوب، دار الفكر: لبنان، ط ١، ١٤١٦ هـ، ٣/ ٦٥ - ٦٦.

<<  <   >  >>