للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعله يقتضي ذلك الحكم ثم ينتقل بانتقال تلك العلة إلى حكم آخر، وليس بنسخ، إنما النسخ الإزالة للحكم حتى لا يجوز امتثاله" (١).

وكل دعاوى النسخ إن لم تستند لدليل فهي محل نظر، خاصة مع إمكان الجمع؛ لأن شرط النسخ التعارض مع تعذر الجمع، ومن المقرر عند أهل العلم أنه لا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع (٢)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: "فإن من الناس من يقول آيات المجادلة والمحاجة للكفار منسوخات بآية السيف لاعتقاده أن الأمر بالقتال المشروع ينافي المجادلة المشروعة، وهذا غلط فإن النسخ إنما يكون إذا كان الحكم الناسخ مناقضا للحكم المنسوخ" (٣).

وقال في موضع آخر بعد أن أشار إلى الآيات الواردة في الأمر بالكف والعفو الصفح ثم آيات الأمر بالقتال والجهاد: "فكان ذلك -أي: التمكين- عاقبة الصبر والتقوى الذين أمر اللَّه بهما في أول الأمر، وكان إذ ذاك لا يؤخذ من أحد من اليهود الذين بالمدينة ولا غيرهم جزية، وصارت تلك الآيات في حق كل مؤمن مستضعف لا يمكنه نصر اللَّه ورسوله بيده ولا بلسانه فينتصر بما يقدر عليه من القلب ونحوه، وصارت آية الصغار على المعاهدين في حق كل مؤمن قوي يقدر على نصر اللَّه ورسوله بيده أو لسانه، وبهذه الآية ونحوها كان المسلمون يعملون في آخر عمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعلى عهده خلفائه الراشدين، وكذلك هو إلى قيام الساعة، لا تزال طائفة من هذه الأمة قائمين على الحق ينصرون اللَّه ورسوله النصر التام، فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف، أو في


(١) المرجع السابق، ٣/ ٥٧.
(٢) انظر: المغني، ٩/ ٧٥، وفتح الباري، ٢/ ٦٢، وأضواء البيان، ٨/ ٩٣.
(٣) الجواب الصحيح، ١/ ٢١٨.

<<  <   >  >>