للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفرع الثاني: تعريف الحدود اصطلاحًا:

تنوعت عبارات الفقهاء في تعريف الحد، ولكنها كلها تدور حول العقوبات المقدرة والواجبة لحق اللَّه تعالى، وبالتالي يمكن تعريف الحد اصطلاحًا بأنه: عقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ وَجَبَتْ حَقًّا للَّهِ تَعَالَى (١).

* * *

[المطلب الثاني الحكمة من الحدود وأهميتها]

إن الشريعة الإسلامية جاءت بالعقائد والمبادىء والقيم والأخلاق والأحكام التي تنظم المجتمع المسلم في كافة شؤونه وجوانبه وتعاملاته، ثم جاءت بعد ذلك بالحدود والعقوبات كسياج يحمي ذلك المجتمع ويحافظ على مكتسباته في كافة الجوانب، وإن لم تطبق تلك الحدود فإن المكتسبات سوف تضيع وتتلاشى شيئًا فشيئًا، لذا احتاج الأمر إلى الحزم وعدم الرأفة وهو في هذا الموضع رحمة للجاني، ورحمة للمجتمع، فإقامة الحدود "يحصل بها النجاة لمن أقامها وأقيمت عليه وإلا هلك العاصي بالمعصية والساكت بالرضا بها" (٢)، فليست الغاية من إقامة الحدود التشفي والانتقام وفرض السلطة والنظام، قال ابن تيمية رحمه اللَّه: "فإن إقامة الحد من العبادات، كالجهاد في سبيل اللَّه، فينبغي أن يعرف أن إقامة الحدود رحمة من اللَّه بعباده، فيكون الوالي شديدًا في إقامة الحد لا تأخذه رأفة في دين اللَّه فيعطله، ويكون


(١) انظر: البحر الرائق، ٥/ ٢، والدر المختار، ٤/ ٣، وبدائع الصنائع، ٧/ ٣٣، وإعانة الطالبين، ٤/ ١٤٢، ومغني المحتاج، ٤/ ١٥٥، وشرح منتهى الإرادات، ٣/ ٣٣٥، والفرق بين الحد والتعزير، أن الحد عقوبة مقدرة حقًا للَّه تعالى، وأما التعزير فهو غير مقدر، والحد إنما شرع زجرًا فلا تجوز الشفاعة فيه، وأما القصاص فإنه وإن كان عقوبة مقدرة، لكنه يجب حقا للعبد حتى يجري فيه العفو والصلح.
(٢) فتح الباري، ٥/ ٢٩٦.

<<  <   >  >>