للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باق في تطبيق هذا التشريع وهو من باب تقديم الأهم على المهم، والبدء بالأيسر فالأيسر وهو ما يشهد له الأدلة الشرعية ومنها: ما رواه ابْنِ عَبَّاسٍ أَنّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: (إِنَّكَ تَقْدُمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلُ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةَ اللَّهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجلَّ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، فَإِذَا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ تُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كِرَامَ أَمْوَالِهمْ) (١).

ومنها: ما روته عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: (بَايَعْنَا النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَرَأَ عَلَيْنَا: {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا}، وَنَهَانَا عَنِ النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ مِنَّا يَدَهَا، فَقَالَتْ: فُلانَةُ أَسْعَدَتْنِي (٢)، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ) (٣).

ووجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل منها تأخير المبايعة وارتكابها هذا المحرم وهو دفع الأجرة على النياحة لتأليف قلبها، وقلب المرأة الأخرى، وهذا هو التدرج في التطبيق.

٥ - إن على الدولة الإسلامية في حال الاستضعاف التدرج في تطبيق الأحكام بعد تهيئة المجتمع وتحصين الجبهة الداخلية أولًا، مما يعينها على الصمود ومواجهة الضغوط الخارجية.


(١) أخرجه البخاري، كِتَاب الْجُمُعَةِ، باب الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ، رقم: ١٣١٤، ومسلم، كِتَاب الإِيمَانِ، بَاب الدُّعَاءِ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ، رقم: ٣٠.
(٢) قال ابن حجر رحمه اللَّه: "والإسعاد قيام المرأة مع الأخرى في النياحة تراسلها، وهو خاص بهذا المعنى، ولا يستعمل إلا في البكاء والمساعدة عليه، ويقال: إن أصل المساعدة وضع الرجل يده على ساعد الرجل صاحبه عند التعاون على ذلك"، فتح الباري، ٨/ ٦٣٧.
(٣) أخرجه البخاري، كِتَاب الْأَحْكَامِ، بَاب بَيْعَةِ النِّسَاءِ، رقم: ٦٧٠٤.

<<  <   >  >>