للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: هل لهذا التفريق بين المجتمعات التي يُحكم فيها بالإسلام وتطبق فيها الحدود والأحكام الشرعية كلها أو بعضها، وتلك التي لا علاقة لها بالإسلام ولا معرفة لها به، أو التي غُيب عنها الحكم بالأحكام الشرعية حتى غدت كأنها مجتمعات جديدة الدخول في الإسلام، هل لهذا التفريق أصل شرعي أو دليل؟

والجواب على هذا بما ورد عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن وفد ثَقِيفٍ لما قَدِمُوا عليه أنزلهم المسجد؛ ليكون أرَقَّ لقلوبهم، فَاشْتَرَطُوا عليه أن لا يُحْشَرُوا، ولا يُعْشَرُوا، ولا يُجَبَّوْا، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لكم أن لا تُحْشَرُوا، ولا تُعْشَرُوا، ولا خير في دين ليس فيه ركوع) (١).

وقد أنزلهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في المسجد ليكون أكثر إلانة لقلوبهم بسبب رؤيتهم المسلمين وخشوعهم واجتماعهم وعبادتهم للخالق عز وجل، ولكنهم شرطوا ألا يحشروا أي: ألا يندبون إلى الغزو والجهاد، كما شرطوا ألا يُعشَرُوا أي: لا يؤخذ عشر أموالهم، فوافقهم النبي على ذلك، وشرطوا ألا يجبوا -بالجيم وشد الموحدة- أي: أن يركعوا، وأرادوا أن لا يصلوا فلم يجبهم على ذلك. وإنما سمح لهم بترك الجهاد وترك الصدقة؛ لأنهما لم يكونا واجبين في العاجل، بل بحضور العدو أو بحول الحول، بخلاف الصلاة فهي واجبة في كل يوم وليلة فلم يجز أن يشترطوا تركها (٢).


(١) أخرجه أبو داود، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في خبر الطائف، رقم: ٣٠٢٦، والبيهقي في السنن الكبرى، ٢/ ٤٤٤، باب المشرك يدخل المسجد غير المسجد الحرام، رقم: ٤١٣١، ومصنف ابن أبي شيبة، ٢/ ٤١٦، من قال ليس على المسلمين عشور، رقم: ١٠٥٧٩، والمنتقى لابن الجارود، عبد اللَّه بن علي بن الجارود النيسابوري، تحقيق: عبد اللَّه البارودي، مؤسسة الكتاب الثقافية: بيروت، ط ١، ١٤٠٨ هـ، ١/ ١٠١، رقم: ٣٧٣، جاء في نصب الراية، ٤/ ٢٧٠: "قيل إن الحسن البصري لم يسمع من عثمان بن أبي العاص انتهى، ورواه أبو داود في مراسيله عن الحسن".
(٢) انظر: عون المعبود، ٨/ ١٨٥ - ١٨٦.

<<  <   >  >>