للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما أن درء الحدود بالشبهات على فرض صحته، لا يثبت به مثل هذا الأمر العظيم الذي يفضي إلى التحاكم لغير حكم اللَّه عز وجل (١)، وليس هذا مجال العمل به.

وليست كل الشبهات تدرأ الحد، بل "الشبهة إذا كانت محتملة فهي التي توجب ذلك، أما لو لم تكن محتملة فليست شبهة، بل هي دلسة وقع بها التذرع إلى إسقاط ما شرعه اللَّه من الحدود" (٢).

قال ابن القيم رحمه اللَّه: "الحدود جعلها اللَّه تعالى زواجر للنفوس وعقوبة ونكالًا وتطهيرًا، فشرعها من أعظم مصالح العباد في المعاش والمعاد، بل لا تتم سياسة ملك من ملوك الأرض إلا بزواجر وعقوبات لأرباب الجرائم، ومعلوم ما في التحيل لإسقاطها من منافاة هذا الغرض وإبطاله، وتسليط النفوس الشريرة على تلك الجنايات، إذا علمت أن لها طريقًا إلى إبطال عقوباتها فيها، وأنها تسقط تلك العقوبات بأدنى الحيل، فإنه لا فرق عندها البتة بين أن تعلم أنه لا عقوبة عليها فيها وبين أن تعلم أن لها عقوبة وأن لها إسقاطها بأدنى الحيل" (٣).

وإن استبدال الحدود والعقوبات الشرعية بأي عقوبات وضعية لن يحقق المراد، ولن يفي بالغرض، وإنما سيؤدي إلى نتائج عكسية، قال ابن تيمية رحمه اللَّه: "وقد أجمع المسلمون على أن تعطيل الحد بمال يؤخذ أو غيره لا يجوز، وأجمعوا على أن المال المأخوذ من الزاني والسارق والشارب والمحارب وقاطع الطريق ونحو ذلك لتعطيل الحد مال سحت خبيث كثير مما يوجد من فساد أمور الناس، إنما هو لتعطيل الحد بمال أو جاه، وهذا من


(١) انظر: نيل الأوطار، ٧/ ٢٧٣.
(٢) السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، محمد بن علي الشوكاني، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الكتب العلمية: بيروت، ط ١، ١٤٠٥ هـ، ٤/ ٣٣٦.
(٣) إعلام الموقعين، ٣/ ١٨٤ - ١٨٥.

<<  <   >  >>