للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويوضح السرخسي سبب التفريق بينهما بقوله: "لأن الحدود زواجر، والزواجر مشروعة حقًا للَّه تعالى، فأما ما يكون حقًا للعبد فهو في الأصل جائز، فما أوجب من العقوبات حقًا للعبد وجب باسم القصاص الذي ينبىء عن المساواة؛ ليكون إشارة إلى معنى الجبر، وما أوجب باسم الحد فهو حق اللَّه تعالى، وفي هذا الاسم إشارة إلى معنى الزجر" (١).

وقال ابن حزم رحمه اللَّه: "إن الحدود ليست موكولة إلى اختيار أحد إن شاء أقامها وإن شاء عطلها، بل هي واجبة للَّه تعالى وحده، لا خيار فيها لأحد، ولا حكم، وأما الدماء فهي موكولة إلى اختيار الولي إن شاء استقاد، وإن شاء عفا، فبطل أن تكون من الحدود وصح أنها من حقوق الناس" (٢).

قال ابن قدامة رحمه اللَّه: "القتل لو وجب لحق اللَّه تعالى لم يخير الإمام فيه كقطع السارق وكما لو انفرد بأخذ المال، ولأن الحدود للَّه تعالى إذا كان فيها قتل سقط ما دونه كما لو سرق وزنى وهو محصن" (٣).

قال الجصاص رحمه اللَّه: "لا يجوز تعطيل الحدود بعد ثبوتها عند من يقيمها، وقد يجوز ترك التعزير على حسب ما يرى الإمام فيه من المصلحة" (٤).

ولعل في هذه العبارات ما يكفي لإيضاح الفرق بين العقوبات والحدود من جهة التعطيل أو عدمه. وخلاصة هذا المطلب أن الدولة الإسلامية إذا وقعت في حالة استضعاف -وفق الشروط المعتبرة لذلك- جاز للحاكم تعطيل العقوبات والتعازير.


(١) المبسوط، ٩/ ١٠٩.
(٢) المحلى، ١١/ ٧٧.
(٣) المغني، ٩/ ١٢٦.
(٤) أحكام القرآن للجصاص، ٥/ ١٣٣.

<<  <   >  >>