للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التمكن من قتلة عثمان وأخذ القود منهم، فقال لهم علي -رضي اللَّه عنه-: (ادخلوا في البيعة، واطلبوا الحق تصلوا إليه، فقالوا: لا تستحق بيعة وقتلة عثمان معك، تراهم صباحا ومساء)، فكان علي في ذلك أشد رأيًا وأصوب قولًا؛ لأن عليًا لو تعاطى القود منهم لتعصبت لهم قبائل، وصارت حربًا ثالثة، فانتظر بهم أن يستوثق الأمر، وتنعقد البيعة العامة، ويقع الطلب من الأولياء في مجلس الحكم، فيجري القضاء بالحق، ولا خلاف بين الأمة أنه يجوز للإمام تأخير القصاص، إذا أدى ذلك إلى إثارة الفتنة أو تشتيت الكلمة" (١).

قال ابن حجر رحمه اللَّه: "إن أحدًا لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا عليًا في الخلافة، ولا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة، وإنما أنكرت هي ومن معها على علي منعه من قتل قتلة عثمان، وترك الاقتصاص منهم، وكان علي ينتظر من أولياء عثمان أن يتحاكموا إليه، فإذا ثبت على أحد بعينه أنه ممن قتل عثمان اقتص منه، فاختلفوا بحسب ذلك، وخشي من نسب إليهم القتل أن يصطلحوا على قتلهم، فأنشبوا الحرب بينهم إلى أن كان ما كان" (٢).

ففي حالة عدم استقرار الحكم لا يمكن إقامة الحدود، قال ابن تيمية رحمه اللَّه واصفًا حالة الحكم في زمن علي -رضي اللَّه عنه-: "ولم يكن ممكنا من أن يعمل كل ما يُريده من إقامة الحدود ونحو ذلك؛ لكون الناس مختلفين عليه، وعسكره وأمراء عسكره غير مطيعين له في كل ما كان يأمرهم به، فإن التفرق والاختلاف يقوم فيه من أسباب الشر والفساد وتعطيل الأحكام ما يعلمه من يكون من أهل العلم العارفين بما جاء من النصوص في فضل الجماعة والإسلام" (٣)، فلم يكن تأجيل القصاص من قتلة عثمان -رضي اللَّه عنه- إلا من باب درء المفاسد بالرغم من مصلحة تنفيذ القصاص (٤).


(١) أَحْكَام الْقُرْآن لابن الْعَرَبِيّ، ٤/ ١٥٠، وانظر: الجامع لأحكام القرآن، ١٦/ ٣١٨.
(٢) فتح الباري، ١٣/ ٥٦.
(٣) الفتاوى، ٢٧/ ٤٧٧.
(٤) انظر: البداية والنهاية، ٧/ ٢٣٨.

<<  <   >  >>