للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويذكر ابن قدامة رحمه اللَّه حالات أخرى لجواز تأخير إقامة الحد، وهي: "إنْ كَانَ بِالمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ إلَى الْمَحْدُودِ، أَوْ قُوَّةٌ بِهِ، أَوْ شُغْلٌ عَنْهُ، أُخِّرَ" (١)، فعند الحاجة إلى هذا الشخص الذي وقع عليه الحد يعطل الحد، لمصلحة الجماعة، وكذلك إن كان به قوة تحول بين الدولة وبين تطبيق الحد عليه، أو انشغال المسلمين عنه بأمر أهم كهجوم عدو أو وقوع كارثة.

ومما وقع فيه الخلط هنا: "أن معظم العاملين في الحقل الإسلامي -وبخاصة المتحمسين منهم- أعطوا عناية كبرى لقضية. . . "تطبيق الشريعة الإسلامية" يعنون الجانب القانوني من الشريعة ولا سيما في العقوبات أي الحدود والقصاص والتعازير. وهذا الجانب جزء من الإسلام ولا ريب، ولا يجوز إغفاله أو الإعراض عنه، ولكن المبالغة في المطالبة به، والحديث عنه واعتباره رأس الأمر وعموده وذروة سنامه، كان له آثار سيئة على التفكير الإسلامي والعمل الإسلامي، وآثار أخرى على أفكار الناس العاديين، واستغل ذلك خصوم الإسلام وشريعته ودعوته. وطالما قلت: إن القوانين وحدها لا تصنع المجتمعات، ولا تبني الأمم، إنما تصنع المجتمعات والأمم: التربية والثقافة ثم تأتي القوانين سياجًا وحماية. . فالواجب إذن أن تعطى هذه القضية حجمها الحقيقي من الفكر والعمل، وأن تعطى مساحات مناسبة للاشتغال والإعداد والمطالبة بـ"تربية إسلامية متكاملة معاصرة"" (٢).

وإن كان هذا رأي بعض المعاصرين فإن ابن تيمية رحمه اللَّه تطرق لهذه المسألة بقوله: "والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوابه فإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها وعجز من الباقين أو غير ذلك فكان لها عدة أئمة؛ لكان يجب على


(١) المغني، ٩/ ٢٤٨.
(٢) في فقه الأولويات، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة: مصر، ط ٣، ١٤١٩ هـ، ص ١٩٤ - ١٩٥، وانظر: التدرج في تطبيق الشريعة الإسلامية، محمد الشريف، الكويت، ط ١، ١٩٩٦ م، ص ٤٢ وما بعدها.

<<  <   >  >>