للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإعلان عنه في وسائل الإعلام، بل يُكتفى بإخبار الخصوم ونحوهم ممن يرى الحاكم المصلحة في حضوره أو إخباره.

فإن قيل: إن اللَّه عز وجل أمر بالإعلان عند إقامة الحد، فقال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (١)، كما أن في الإعلان والشهود من الفوائد والحكم ما لا تتحقق بإقامته سرًا وبحضور العدد القليل من الناس، "والنص وإن ورد في حد الزنا لكن النص الوارد فيه يكون واردًا في سائر الحدود دلالة؛ لأن المقصود من الحدود كلها واحد وهو زجر العامة، وذلك لا يحصل إلا وأن تكون الإقامة على رأس العامة؛ لأن الحضور ينزجرون بأنفسهم بالمعاينة، وَالْغُيَّبَ يَنْزَجِرُون بإخبار الحضور فيحصل الزجر للكل، وكذا فيه منع الجلاد من المجاوزة عن الحد الذي جعل له؛ لأنه لو جاوز لمنعه الناس عن المجاوزة، وفيه أيضا دفع التهمة والميل فلا يتهمه الناس أن يقيم الحد عليه بلا جرم سبق منه" (٢).

والجواب على هذا من عدة أوجه:

أولًا: لا ننكر تحقق هذه المصالح من شهود الناس لتنفيذ الحكم وإعلانه، إلا أن هذه المصالح التي تتحقق بالإعلان عن إقامة الحد لا يُمكن مقابلتها بالمفاسد التي تقع على الدولة الإسلامية في حال الاستضعاف، ومن المقرر أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

ثانيًا: أن المقصود بالطائفة يتحقق بالواحد فصاعدًا على الصحيح، وإن كان الأفضل والأولى في الأحوال العادية حضور وشهود العدد الكبير، وقد تنوعت أقوال المفسرين


(١) سورة النور، الآية [٢].
(٢) بدائع الصنائع، ٧/ ٦٠ - ٦١.

<<  <   >  >>