للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الضرر، بل إن هذا ما كان عليه حال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في أول الأمر، فقد "ذكر بعض أهل العلم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة وخرج معه علي ابن أبي طالب مستخفيًا من أبيه أبي طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه، فيصليان الصلوات فيها، فإذا أمسيا رجعا، فمكثا كذلك ما شاء اللَّه أن يمكثا، ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما وهما يصليان، فقال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يا ابن أخي، ما هذا الدين الذي أراك تدين به؟ قال: (أي عم هذا دين اللَّه ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم)، أو كما قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بعثني اللَّه به رسولًا إلى العباد، وأنت أي عم أحق من بَذلتُ له النصيحة ودعونه إلى الهدى، وأحق من أجابني إليه، وأعانني عليه)، أو كما قال، فقال أَبو طالب: أي ابن أخي إني لا أستطيع أن أفارق دين آبائي وما كانوا عليه، ولكن واللَّه لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما بقيت" (١).

٤ - أن النجاشي رحمه اللَّه كتم إيانه وأخفاه عن قومه في أول الأمر -كما سبق بيانه- وقَبِل منه الصحابة -رضي اللَّه عنهم- ذلك الأمر وأخفوه، ولم ينقل أنهم أمروه بإظهار إسلامه أو أن يقيم الشعائر.

٥ - مشروعية العمل بالتَّقِيَّةُ، "وقد يجوز إخفاء الإيمان وترك إظهاره تقية بعد أن يكون مطمئن القلب بالإيمان" (٢)، وسيأتي بيان ذلك.

٦ - أن كتمان الإيمان وإخفاء شعائره حال الاستضعاف يكون من باب الأفعال المشتملة على المصالح والمفاسد مع رجحان مصالحها على مفاسدها، قال العز بن عبد السلام رحمه اللَّه: "ترك الصلاة، وصوم رمضان، وتأخير الزكاة، وحقوق الناس الواجبات من غير عذر شرعي


(١) السيرة النبوية لابن هشام، ٢/ ٨٦.
(٢) أحكام القرآن للجصاص، ٤/ ١٥٦.

<<  <   >  >>