للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتضح مما تقدم أن الحيل المشروعة هي: ما يتوصل بها إلى الحلال أو إلى الحقوق أو إلى دفع الباطل، ولا تهدم أصلًا شرعيًا، ولا تناقض مصلحة شرعية، وهي مشروعة للمستضعفين، وقد تجب لدفع القتل أو العذاب الشديد والضرر.

كما يحسن التنبيه على أن الآيات والأحاديث الواردة في النهي عن موالاة الكفار مطلقًا أو التشبه بهم لا تتعارض مع هذه الحيل المشروعة، وذلك لأن محل تلك الآيات في حال الاختيار والقدرة، أما عند الخوف فيرخص في موالاتهم العملية والقولية لا القلبية بقدر ما يدفع الشر ويحقق المصلحة، ويشترط في هذا كله سلامة الباطن من تلك الموالاة (١)، ودل على هذا قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} (٢)، قال ابن تيمية رحمه اللَّه: "كل ما جاء من التشبه بهم إنما كان في صدر الهجرة، ثم نسخ ذلك؛ لأن اليهود إذ ذاك كانوا لا يميزون عن المسلمين لا في شعور ولا في لباس لا بعلامة ولا غيرها، ثم إنه ثبت بعد ذلك في الكتاب والسنة والإجماع الذي كمل ظهوره في زمن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- ما شرعه اللَّه من مخالفة الكافرين ومفارقتهم في الشعار والهدى، وسبب ذلك أن المخالفة لهم لا تكون إلا بعد ظهور الدين وعلوه كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصغار، فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء لم يشرع المخالفة لهم، فلما كمل الدين وظهر وعلا شُرع ذلك.

ومثل ذلك اليوم لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأمورا بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر؛ لما عليه فى ذلك من الضرر، بل قد يستحب للرجل، أو


(١) انظر: أضواء البيان، ١/ ٤١٣.
(٢) سورة آل عمران، الآية [٢٨].

<<  <   >  >>