للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأبو جندل بعودته مع المشركين إلى مكة عاد إلى حالة استضعاف الجماعة، وانضم إلى المستضعفين الذين أخبر عنهم اللَّه عز وجل بقوله: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ. .} (١)، قال ابن تيمية رحمه اللَّه: "فهؤلاء كانوا يكتمون إيمانهم في قومهم، ولا يتمكنون من إظهاره، ومن هؤلاء مؤمن آل فرعون، كان يكتم إيمانه، ومن هؤلاء النجاشي الذي صلى عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنه كان ملك النصارى بالحبشة، وكان في الباطن مؤمنًا" (٢).

ومن أمثلة استضعاف الأفراد ما جرى مع أصحاب الكهف التي وردت قصتهم في القرآن الكريم، قال تعالى: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} (٣)، "أي إن علموا بمكانكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم -يعنون أصحاب دقيانوس (٤) - يخافون منهم أن يطلعوا على مكانهم فلا يزالون يعذبونهم بأنواع العذاب إلى أن يعيدوهم في ملتهم التي هم عليها أو يموتوا، وإن وافقتموهم على العود في الدين فلا فلاح لكم في الدنيا ولا في الآخرة" (٥).

تنبيه: مما مضى يتبين أنه ليس من شرط تحقق الاستضعاف وقوع المستضعف في عذاب بل يكفي أن يغلب على ظنه وقوعه تحت العذاب ممن يقدر عليه، بل إن النجاشي كان ملكًا ومع هذا لم يقدر على الجهر بإسلامه في أول الأمر، ولا شك أن مجرد عدم إظهار الإسلام


(١) سورة الفتح، الآية [٢٥].
(٢) اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية، عمد بن أبي بكر الدمشقي، بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٠٤ هـ، ١/ ١٦.
(٣) سورة الكهف، الآية [٢٠].
(٤) وهو الملك الجبار الذي كان يدعوا إلى عبادة الأوثان، وبطش بالمؤمنين في زمان أصحاب الكهف، انظر: المنتظم ٢/ ١٥٢،والبداية والنهاية، ٢/ ١١٤.
(٥) تفسير القرآن العظيم، ٣/ ٧٨.

<<  <   >  >>