للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وشعائره فيه عذاب معنوي للمستضعف، وإن سلم من العذاب الحسي، والظاهر أن النجاشي قد كتم إسلامه عن الحبشة حتى لا يعزلوه، واستطاع بذلك أن يحمي المسلمين، وأن يشجع نشر الإسلام بين الحبشة تدريجيًا دون استخدام للعنف أو القهر، ولكن اللَّه تعالى لم يمهله حتى يتم ذلك الأمر (١)، ولذا فقد قال لمبعوث الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ولكن أعواني من الحبشة قليل فأنظرني حتى أكثر الأعوان والين القلوب) (٢)، حتى أنه خفي على بعض المسلمين إسلام النجاشي، ولهذا لما مات -رضي اللَّه عنه- نعاه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ودعا الناس إلى المصلى للصلاة عليه، فعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نَعَى النَّجَاشِيَّ في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المُصلى فصف بهم وكبر أربعًا) (٣)، وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال -صلى اللَّه عليه وسلم- حين مات النَّجَاشِيُّ: (مات اليوم رجل صالحٌ فقوموا فصلوا على أخيكم أَصْحَمَةَ (٤)) (٥).


(١) انظر: إسلام نجاشي الحبشة ودوره في صدر الدعوة الإسلامية، د. سامية منيسى، القاهرة: دار الفكر العربي، ط ١، ١٤٢١ هـ، ص ٩٦.
(٢) السيرة الحلبية، علي بن برهان الدين الحلبي، بيروت: دار المعرفة، ط ١، ١٤٠٠ هـ، ٣/ ٢٩٤.
(٣) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه، رقم: ١١٨٨، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في التكبير على الجنازة، رقم: ٩٥١.
(٤) قال النووي رحمه اللَّه: "قوله: (صلى على أَصْحَمَة النَّجَاشِيّ) هو بفتح الهمزة وإسكان الصاد وفتح الحاء المُهْمَلَتَيْنِ. . قال ابن قُتَيْبَة وغيره: ومعناه بالعربية: عَطِيَّة. قال العلماء: والنجاشي لقب لكل من ملك الحبشة، وأما أَصْحَمَة فهو اسم عَلَم لهذا الملك الصالح الذي كان في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال المُطَرِّز وابن خالَوَيْهِ وآخرون من الأئمة كلامًا متداخلًا حاصله: أن كل مَن مَلَكَ المسلمين يُقال له: أمير المؤمنين، ومن ملك الحبشة: النجاشي، ومن ملك الروم: قيصر، ومن ملك الفرس: كسرى، ومن ملك الترك: خاقَان، ومن ملك الْقِبْط: فِرعَون، ومن ملك مصر: العزيز، ومن ملك اليمن: تُبَّع، ومن ملك حِمْيَر: الْقَيْل. بفتح القاف، وقيل: الْقَيْل أقل درجة من المَلِك"، شرح النووي على صحيح مسلم، ٧/ ٢٣.
(٥) أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب موت النجاشي، رقم: ٣٦٦٤.

<<  <   >  >>